بعض الكلمات التي يجري استخدامها على صعيد التنقيص والاحتقار، يوحي لك الإصرار على استخدامها بأن اللغة لا تحوي غيرها، من بين تلك الكلمات: “المدعو”! كنتُ قد كتبتُ عن هذه العبارة التي تحتوي على إرادة التجاهل والتسفيه للذي يرد اسمه بعد كلمة: “المدعو” وهي عبارة ليست جديدة، بل استخدمت من قبل بعض الأحزاب، وللأسف أن بعض المؤسسات الحكومية لا تزال تستخدمها بكل إصرار، مع أن اللغة العربية غنية بالكلمات الأخرى التي يمكن أن تقوم مقامها، أو أن يورد الاسم من دون كلمة “المدعو”، وبخاصةٍ أنها استخدمت من قبل تياراتٍ فكرية متشددة، ومن قبل تياراتٍ قومية متعصّبة!
الأستاذ: علي العميم في كتابه الماتع: “شيء من النقد شيء من التاريخ” ذكر جانباً من تاريخ هذه الكلمة حيث يقول: “كنتُ أعتقد لسنواتٍ طويلة أن استخدام كلمة المدعو مع المغضوب عليه أو المخالف في أمورٍ يسيرة أو أساسية خاص……، وقبل سنواتٍ قريبة وأنا أطالع بعض وثائق الحزب السوري القومي الاجتماعي في فترة حياة زعيمه أنطون سعادة وجدتُ أن هذه الكلمة مستخدمة في قرارات أو مراسيم ـ حسب تسميتهم ـ الحزب الإدارية، فساعة الفصل من الحزب يسمى العضو (مدعو)، ففي هذه الوثائق تجد مرسوماً صادراً من الزعيم يقضي بطرد المدعو سعيد عقل وطرد المدعو أكرم الحوراني، والمدعو زكي النقاش …إلخ وهذه الأسماء كما نعلم يحملها أعلام كبار، والمدعو هي لفظةٌ انتقلت من ساحة الفضاء إلى ساحة الاختلاف الفقهي والفكري وقرارات الحزب الإدارية”.
أورد العميم هذا الكلام في تحشية على رد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، على حسّان عبد المنان، حين وصفه الألباني بـ: “المدعو”!
مجرد استخدام عبارةٍ للانتقاص من شخصٍ خرج عن تعاليم التيار أو الحزب، أو رسم خطاً مختلفاً في النقد يعتبر تجنياً واضحاً على إنسانية الفرد وقيمته الشخصية، حتى وإن كان الشخص مجرماً كما في الخطابات والبيانات الرسمية فيكتفى بذكر اسمه، لأن وظيفة اللمز ليست من أعمال الوزارة هذه أو المؤسسة تلك، أو الشخص هذا أو ذاك، بل المهم هو تطبيق النظام وتنفيذ الحد وإنجاز الحكم والاقتصاص من الظلم.
قال أبو عبدالله ـ غفر الله له ـ من الرائع أن نراجع الألفاظ التي نستخدمها، والأستاذ العميم أعادنا من خلال ملاحظته الدقيقة إلى أساس هذه العبارة، وأنها نشأت في بيئاتٍ سجالية في الأحزاب القومية إلى أن انتقلت إلى بعض المتشددين الذين لا يرون في الآخر أي ضوءٍ من أضواء الحق، لهذا يبادرونه بوصفهم له بأنه: “المدعو”!
عزيزي المدعو ألا تكفيك عزيزي؟