يمكن وصف الأسبوع المنصرم بأنه أسبوع الحديث عن الإبداع، حيث توزيع جوائز نوبل، ومن ثم رحيل العالم العظيم والعبقري”ستيف جوبز”، لقد توقد الحديث عن الإبداع، وراحت الناس تترجم مقاطع من خطبه الحيوية التي ألقاها في الجامعة. وكانت في الواقع من الخطب الملهمة العجيبة. أخذ الكلام عن الإبداع يزداد، بعد أن أخذت السياسة أجواء العلوم والمعارف منذ الثورات العربية وبدئها في ديسمبر 2010 لكن يعود اليوم مجدداً الحديث عن المعرفة والتطرق إلى الإبداعات بكل ما يحمله الحديث من متعة وإدهاش. الإنسان استطاع من خلال العباقرة الذين كانوا استثناءً في تاريخه من أن يتغلب على شتى الصعوبات. لهذا استطاع وبكفاحه أن يصنع العالم على النحو الذي هو عليه اليوم. مع أن للإنسان مشاكله التي تؤرقه، لكنه يخضعها لمحاولات الحل مثلاً لاتزال لدى الإنسان مشاكل ومعوقات في إيجاد علاجات لبعض الأمراض المستعصية، لكنه يحاول يومياً ويثابر. لكن على المستوى التقني فإن الإنسان قد تطور بشكل لم يسبق له مثيل خلال القرنين الماضيين. والتطور التقني لم يكن ضد الإنسان كما توهم البعض، بل معه، باستثناء التطور التقني المتصل بالأسلحة الفتاكة والجرثومية. لكن التطور التقني على صعيد ثورة المعلومات يشكل تقدماً جباراً وآسراً للبشرية، والدليل ما قدمه لنا العبقري “ستيف جوبز”، والذي لم يكن مبدعاً فقط بل ومنظّراً في مجالات الإبداع. الملاحظة الأساسية التي لفتتني في “جوبز”، تلك العلاقة بين الإبداع وفهم الحياة. فهو نشأ وتنقل من صعوبة إلى أخرى، ولم يكن يرى في الصعوبات حفراً قاتلة، بل رأى فيها تحدياتٍ حقيقية وحاسمة. لم يجعل من أي قرارٍ من قراراته خاطئاً، كل خطواته كانت في صالحه، حتى وإن بدت غير ذلك في بادئ الأمر، والنتائج لا تأتي بعد أخذ الأسباب مباشرةً بل تأتي بعد الأخذ بالأسباب وخوض التحديات. وفهم الحياة وطبيعتها جزء من فهم الإبداع وشروطه. هكذا كان “جوبز” فناناً في حياته، تذكرنا سيرته بأسطورية سير العظماء الكبار مثل “أينشتاين” و”نيوتن” و”أديسون” وغيرهم من الذين قلبوا الظلام إلى نورٍ مشرق يغطي الكون. وعظمة المجتمع الأميركي أنه يحتوي المبدعين، ويقدرهم، ويحفظ لهم مكانتهم، لهذا قال أوباما عن جوبز:” إنه جسَّد روح العبقرية الأميركية، ويصنف ضمن أعظم المبتكرين الأميركيين.كان “ستيف” بين أعظم المبتكرين الأميركيين، ولديه من الشجاعة ما يكفي للتفكير بشكل مختلف، والجرأة الكافية؛ ليعتقد أنه قادر على تغيير العالم، وكان لديه من الموهبة ما يكفي لفعل ذلك ببنائه واحدة من أنجح الشركات على الأرض بدءاً من مرآب منزله، فإنه جسد روح العبقرية الأميركية، لقد حول حياتنا وأعاد تعريف الصناعات بأكملها، وحقق واحداً من أندر أنواع الفخر في تاريخ البشرية، إنه غير طريقة نظر كل منا إلى العالم .. لقد فقد العالم شخصاً ذا بصيرة”! هذه هي الأمم التي تهيئ للعباقرة مجالات الإبداع، حتى وإن كانوا أبناء بالتبني مثل “جوبز”، لقد حقق المعجزة البشرية على أبهى صورها وأكثر سحراً، والفضل يعود إلى شجاعته وإقدامه وصبره، وإلى الفضاء الحر في أميركا الذي يطرح تساوي الأفراد من دون تفرقة أو تمييز، كل فرد لا يعلو على أي فردٍ آخر بأي حالٍ من الأحوال، مهما كان لونه أو جنسه أو مرجعه الأسري، الكل يأخذ الفرص بالتساوي من دون أي تمييز أو حيف! إن الحرية والفضاء المتساوي بين البشر هو الذي يعطي للعباقرة الإقدام نحو الإبداع والإنجاز، وهكذا كانت أميركا، وهكذا كان “جوبز”، إنه ابن بالتبني صنع المعجزات، والبعض لا يزال يعلّق شجرة القبيلة على صدر المجلس، ويئنّ من البطالة والخروج عن سياق الإبداع في التاريخ!
جميع الحقوق محفوظة 2019