الجمعة الماضية كانت اليوم المؤشر إلى أن الإرهاب في السعودية بلغ من العمر عامين، وهو عمر الفطام، ونرجو أن تكون الانتصارات الأمنية دلالة على هذا الفطام.
ولست بحاجة إلى تأكيد أثر سلبي للإرهاب على الجماعات أو الأفراد، لكنني أحدثكم اليوم عن هم شخصي خلال هذين العامين، فقد اشتكيت منتصف العام الماضي من كوني أجدُ اسمي مقحماً في كل محاولة فكرية لمحاربة التطرف والإرهاب، دون وجه حق، ودون اعتبار لحالتي النفسية، أو العضوية، أو حتى العقلية، لكن هذا أمر بات سهلاً عند قتلي على صفحات “الشرق الأوسط” يوم الجمعة. فقد أسقطني الزملاء على مشارف أسوار وزارة الداخلية، وضموني في صفوف الإرهابيين، وجعلوني منخرطاً في سلك التطرف، وجاءتني التعازي في نفسي طوال الجمعة، حتى صوب الزملاء في “الشرق الأوسط” خطأهم في اليوم التالي بالقول:”تجدر الإشارة إلى أن الخبر عن مجموعة من الفئة الضالة، والمعروف أن الزميل الإعلامي تركي الدخيل ليس من الفئة الضالة”.
وأقول إني اطمأننت إلى أني لست إرهابياً بعد أن قرأت هذه الأسطر المشاكسة من الزملاء الخُضر القائمين على الصحيفة الدولية.
وفي الوقت الذي أسجل فيه رفضي المطلق للتطرف والإرهاب والعنف، وكراهيتي لمؤيديه، والمتعاطفين معه، والساكتين عنه، وتأييدي لحرب هؤلاء جميعاً، فإني أُعلن من هذا المنبر احتجاجي على التعسف في استخدام اسمي، صارخاً بأعلى صوتي رفضاً، ولو كانت هذه الحروف صماء بكماء.
كما أني أقرِن الاحتجاج بالشجب تأكيداً لعروبتي، والاستنكار تشديداً على انتمائي لدول الجامعة العربية، وأطالب المجتمع الدولي بوقف هذا الاستغلال لاسمي، وأناشد قوى العدل والشعوب المحبة للسلام برفع الظلم عني وأمثالي، فأنا لست أقل قيمة من الرؤساء العرب لأشجب واستنكر وأناشد، ولا وزراء خارجيتهم الأشاوس كي أطالب قوى العدل وشعوب السلام، كما أن بيانات القمم العربية، وكلمات الاجتماعات الوزارية ليست أكثر قداسة من حروف مقالي هذا، وكما قيل في الأمثال: “ما فيش حد أحسن من حد”، وأنبه هنا على أن “حد” هذه لا علاقة لها بالشفرة بل هي عامية أحد، حتى لا اتهم بالإرهاب، فيقال عني حينها “التم المتعوس على خايب الرجاء”، وحتى لا تذهب شهادة “الشرق الأوسط” أدراج الرياح. لقد تسابق الكتاب في السعودية منادين بالقضاء على الفكر الدخيل، مراراً، ولا أدري هل اللغة العربية عاجزة عن إيجاد بدائل لهذه الكلمة المسكينة (الدخيل)؟ وهل كانوا يكذبون علينا عندما علمونا صغاراً أن لغتنا بحر لا ساحل له، لكنها تحتاج إلى من يستخرج دراً كامناً في أحشائها، ويسأل البحارة عن صدفاتها؟!
يا جماعة: استخدموا أي كلمة بديلة سوى (الدخيل)، صيانة للمشاعر الجياشة العائدة إلى العبد الفقير إلى الله، وحرصاً على أحاسيسه المرهفة، وعناية بنفسيته الحساسة الرقيقة، فإن لم يكن من أجلي، فمن أجل إثراء اللغة وتأكيد ثرائها.
ثم عوداً على ذات الفكر غير (الدخيل)، لابد أن نشير إلى أننا نتحول في التعاطي مع الفكر الإرهابي بشكل لافت، فذات يوم كنا نعتبر أربابه شرذمة قليلين، لا يستندون إلى فكر، ولا ينطلقون من منطق، ثم اكتشفنا أن هناك فكراً يحتويهم، ونشأت فكرة تفكيك هذا الخطاب.
وفي التفاصيل، فالفكر ليس دخيلاً، بل هو مزيج من أفكار جاءت من الخارج، وتعرضت للطبخ في الداخل، على نار هادئة لكنها لاهبة بل حارقة، ما أنتج أعمالاً إجرامية لا حد لشرورها.
جميع الحقوق محفوظة 2019