كل المناسبات الفرحة محاطة بالمضايقات. من اليوم الوطني، إلى الجنادرية، ولا تسأل عن العيدين الإسلاميين، اللذين أحيطا بأسوارٍ من المحظورات والممنوعات، حتى إن “الطراطيع” و”المفرقعات” مورس عليها التضييق والمنع، لأسباب دينية لا أمنية.
أحداث الجنادرية الأخيرة مرفوضة جملةً وتفصيلاً، أن تأتي مجموعة من الناس الذين لا وظيفة رسمية لهم، فليسوا من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا من الشرطة، ولا من المسؤولين ضمن المهرجان ليمارسوا على الناس الوصاية. الجنادرية نشاط اجتماعي فرح ومبهج، والعائلات تذهب بأطفالها ونسائها إلى هذا المهرجان للفرح والاستئناس بالأهازيج والأغاني الوطنية، مصيبة أن يأتي من يتحكّم بمناسبات الفرح مستنداً على تشدده الشخصي وعقده الذاتية تجاه المناسبات السعيدة.
اقتحام إحدى البوابات من قبل فئة من المتشددين الذين وصلوا إلى المكان وهم يصوتون: “الله أكبر… الله أكبر” يشير إلى فئةٍ نعرفها جيداً، وأعني بها فئة من ينتسبون إلى “المحتسبين” كما يفضلون أن يعرفوا بأنفسهم، مع أن الحسبة التي اتخذها عمر بن الخطاب كانت لمصلحة الناس وحقوقهم وحرياتهم لا لضربهم وقسرهم والسطو على مناسباتهم وأفراحهم. ثم إن المهرجان رسمي فهو ليس وكراً كما يتخيّلون، المهرجان مساحة واسعة لكل السعوديين لكي يلتقوا للحوار والفرح والرقص على تراثهم واستعادة تاريخ أجدادهم من خلال التحف واللوحات والأجنحة التي تعرض التاريخ القديم. جزء كبير مما يرفضه المتشددون مبني على أوهام وتخيلات لا وجود لها على أرض الواقع. يظنون أن هذا الاحتفال مشبوه، ومليء بالمنكرات، ومحاط بالمخربين وأجواؤه مملوءة بالفتن! هكذا بكل بساطة يتهمون مهرجاناً عريقاً له تاريخه، ويرعى على نظر أبو متعب الذي لا يزايد عليه أحد بالحفاظ على الثوابت ومراعاة الشريعة.
الخبر حين نشر لأول مرة تذكرت معرض الكتاب القادم في الرياض، والذي يحشد ضده البعض لا لمقاطعته فهذا حقهم أن لا يأتوا إليه، وإنما لتدجينه ومنع قيامه، أو تخريب مناسباته، والمجيء أفواجاً إلى المعرض للتضييق على مجتمعٍ أثبت خلال العقد الماضي أنه أكثر المجتمعات العربية شراءً للكتب، وهذا أعرفه أنا بوصفي صاحب دار نشر، وأتمنى ألا ينجحوا بإعادة مجتمعٍ شق طريقه إلى التقدم المعرفي إلى الوراء.
قال أبو عبدالله غفر الله له: هذه المناسبات اختيارية، معظم المجتمع يرى إباحتها واتساقها مع الشريعة، إذا رأى أي إنسانٍ أنها محرمة، أو لم يؤمن بقيمتها فليقتصر على عدم المجيء، لا أن يكون مرعباً مرهباً لغيره، هل يستطيع الإنسان أن يعيش ويدع غيره يعيش وفق الأنظمة الرسمية؟!