كل شيء كان يبدو جميلاً في الرياض، العاصمة السعودية التي أرادت الاحتفاء بالثقافة من خلال المعرض الدولي للكتاب الذي يقام فيها حالياً، بداية من كون هذا المعرض هو أول معرض يصنف باعتباره دوليا في السعودية، لعدم توافر الاشتراطات الدولية في المعارض السابقة، ومروراً بالرعاية الملكية للمعرض، ثم بتخفيف الرقابة على الكتب حيث لم تمنع وزارة الإعلام والثقافة إلا عشرين عنواناً من بين أكثر من ثلاثين ألف عنوان، وليس نهاية بفعاليات ثقافية مصاحبة لمعرض الكتاب.
لكن هناك من لم يعجبه أن تحتفل الرياض بالثقافة، كما لم يعجبه أن تكون نسبة استهلاك السعودية من الكتاب في العالم العربي أكثر من نصف مجموع استهلاك العرب جميعاً، فكان تدخله من خلال ندوة ليل الأحد- الاثنين التي كان موضوعها “الرقابة الإعلامية ومتغيرات العصر”، وأدارها تركي السديري رئيس هيئة الصحفيين السعوديين رئيس تحرير جريدة “الرياض”، وحاضر فيها الدكتور محمد الرميحي والدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام السعودي السابق، وناهد باشطح الصحافية السعودية وعضو هيئة الصحافيين السعوديين.
بعد الندوة اتصل بي صديق عزيز حضر الندوة وحدثني عن هرج ومرج ومقاطعات ومحاولات اعتداء تمت من قبل متطرفين جاء كل منهم إلى الندوة مشحوناً على المحاضرين والإعلام فأسأوا للجميع، بداية من الإساءة لأنفسهم!
المتزمتون اتهموا المتحدثين بالإقصاء والحاجة إلى رقابة، معتبرين أن الرقابة هي النهي عن المنكر، والإساءات طالت كل المتحدثين وبخاصة تركي السديري ومحمد عبده يماني، ولم يسلم وزير الإعلام السعودي إياد مدني من الإساءات، بل لقد وصفه أحدهم بأوصاف غير مؤدبة طبقاً للحاضرين والتغطيات الصحافية. وفيما يشبه عودة إلى أجواء مرحلة الجهاد الأفغاني كانت أصوات تتعالى مطالبة بالتكبير الجماعي وهو ما حدث وكأن الوضع مساجلة بين مسلمين وكفار!
الدكتور الرميحي وصف ما حدث بأنه مؤسف وقال: “أعتقد أن الحوار غير منظم وإنه كان يجب أن يكون عن طريق (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، لكن الواضح أن الحكمة انتفت من الحوار والدليل الألفاظ التي تطاول بها بعض الحاضرين على الضيوف، كان هناك اتهام مباشر وتهديد واضح وظهر ذلك من خلال اللهجة”. واعتبر “المشهد الثقافي الذي شاهدناه يدل على أن هؤلاء الناس لديهم احتقان يريدون أن ينفسوه… والدليل أن ما جرى لم يكن مطروحاً فالنقاش مبيت قبل أن يتحدث أحد”.
مدير الندوة تركي السديري علق بقوله: “هذه الفئة غير قابلة للحوار، لاسيما بممارستهم للتحريض والتهييج ومحاولة خلق بلبلة ابتداء من الحوار الثقافي، إلى ما يحدث الآن”.
هل كان هؤلاء الذين يريدون أن يلتزم الإعلام السعودي بتعاليم الإسلام يمتثلون للأدب النبوي؟! أم أنهم كانوا يعبرون عن الإسلام؟! وهل يتوقعون أنهم بهذه الطريقة يوصلون صوتهم إلى القائمين على الإعلام؟! ثم أليس ما فعلوه احتجاجاً على ما اعتبروه إقصاء هو تعبير صارخ وفج عن إقصاء آخر؟! ثم هل يعتقدون أن الأوصاف غير المؤدبة والمسيئة ومحاولات الاعتداء على الصحافيين هي إقامة لشرع الله؟! أم أنهم يعتقدون أن الفوضى التي سكبوها في المكان كانت تعبيراً عن ثقافتهم؟!
ثم هل ما حدث كان تجسيداً لأمر الله لنبيه: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). ثم ألم يبعث الله موسى وهارون وهما بلا شك أفضل من كل هؤلاء المحتجين، إلى فرعون وهو بلا شك أسوأ من كل من احتج هؤلاء عليهم، فقال لنبييه: (فقولا له قولاً ليناً)؟!
ويحكم إنكم تسيئون لما تعتقدون أنكم تحسنون إليه! إن القصة ليست انتصاراً لذواتكم، وتحقيقاً لرغبات بعضكم بالتشفي، إنها رسالة عظيمة لو كنتم تعقلون، وأنتم تنفرون الناس منكم، وأرجو ألا تنفروهم مما تحملون!
جميع الحقوق محفوظة 2019