تضاربت الفتاوى حول تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، بين فتاوى تحرم وأخرى تجيز. وكأنني بالمئة ألف مبتعث، أو يزيدون، في الخارج وهم حيارى، لا يدرون بأي فتوى يأخذون. مع العلم أن بعضهم يسكن مع عائلات مسيحية، والأعياد الحالية هي أعيادهم، ومن ثم يطالبهم البعض بعدم تهنئة أحد! كما أن تلك العائلة نفسها كانت قد هنّأت الطلاب بعيدي الفطر والأضحى، تخيلوا ردة فعل العائلات أو من يشاركون المبتعث الدراسة حين يشيح بوجهه عنهم من دون أي تهنئة أو تفاعل إنساني!
تذكرت الفتوى التي تتحدث عن حكم لجوء الإنسان المسلم إلى كنيسة في حال وجود عاصفة، وكأن الإنسان جسده رخيص وحياته رخيصة، هذا شيء معروف أنك حين تلجأ إلى الكنيسة فإنك تدخلها زائرا أو لاجئا من العاصفة ولم تدخلها متعبدا. والقائمة تطول من الفتاوى التي تعكس الحيرة لدى الطلاب المبتعثين. وأرى أننا الآن بحاجة ماسة لتأسيس فقه متجدد للمبتعثين، كما أسس فقه الأقليات وغيره، لأن الواقع يتغير، ولأن الفتاوى التي تصلح في السعودية قد لا تصلح للمبتعث بأستراليا وكندا وأميركا والصين أو غيرها. الفقه الجديد هو الذي يحمي الطلاب من الوقوع في فخ التطرف، بل ربما قاموا بأعمال يبنونها على فتاوى تتسبب في طردهم من الجامعة أو مساءلتهم أمنيا.
الإسلام صالح لكل زمان ومكان، والفقه يتحول بالزمان والمكان، وهذه الأعياد مثل الكريسمس أو غيره تعيد لنا التساؤل: هل فعلا لا يجب أن نعايد العائلة التي يسكن السعودي والمسلم معها لتعلم اللغة الإنجليزية مثلا؟ هذه أحداث جديدة تتطلب إجابات جديدة. التعامل الإنساني مع الآخرين من مسيحيين أو سواهم ربما يحببهم للإسلام، لكن حين نمتنع عن التحية والمصافحة والمعايدة فإننا نثبت الهواجس السلبية الموجودة لدى الغرب عن الإسلام بعد أحداث الإرهاب، وعلى رأس تلك الهواجس “الكراهية، التطرف، الانغلاق”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: أتمنى من الفقهاء المجددين البدء في كتابة فقه للابتعاث والمبتعثين يعتمد على التيسير والأخذ بالظروف المكانية التي تحيط بهم، لأن الفتاوى ربما دمرت صورة السعودية والإسلام معا، وهذا شيء مزعج ولا يريده أحد. بعض الكلمات والتحايا والمعايدات تذيب الجليد في العلاقات الإنسانية، بل والعلاقات بين الشعوب، كما أن الذين يحتفلون بالسنة الهجرية أو حتى بالكريسمس، في غالبهم الأعم لا يستحضرون في احتفالاتهم البعد الديني.
أكثر من مئة ألف مبتعث ينتظرون فقها جديدا يفك مغاليق الإحراج الذي يحيط بهم من كل صوب.