شاهدت فيلم المخرج الأميركي الشهير مايكل مور : فهرنهايت 9/11 ثلاث مرات إبان عرضه على شاشات السينما في دبي. اول مرة وحدي، وبخاصة بعد الضجة الإعلامية التي رافقت الفيلم، ثم مرة ثانية مع صديق، وثالثة لأنني أردت أن أكتب عن الفيلم، وقد فعلت ذلك مرتين، بعيد عرض الفيلم في اسبوعه الأول.
حرص مور بشكل موجه أن يظهر أن السعوديين استطاعوا أن يتنفذوا في أروقة صناعة القرار في واشنطن، لدرجة جعلنا فيها نسيّر الأميركيين كما يفعل الأراجوز بكراته.
استطيع القول إنني خرجت من صالات العرض في المرات الثلات وأنا منتشٍ بسعوديتي، فنحن إن فعلنا نصف ما قاله عنا مور، فقد فعلنا بقطب العالم الأفاعيل.
كان المخرج الديموقراطي الهوى، يريد أن يقول إن السعوديين بأموالهم استطاعوا أن يتنفذوا في كواليس صناعة القرار الأميركي، وأعود لأقول ثانية، لو كان ربع هذا الوصف صحيحاً، فعز الله أننا ما قصرنا، إذ أننا رغم ثرائنا الذي أنعم الله به علينا كدولة، فإننا لسنا الدولة الوحيدة الثرية في العالم، لكن أحداً لم يستطع أن يفعل كما فعل هؤلاء البدو الذين لا يزال انطباع معظم الغربيين عنهم لا يتعدى الصورة النمطية الجاهزة: جمل وطعس، وكم برميل نفط تحت وسادة كل واحد منا التي يرقد عليها في خيمته!
خرجت وانا اكاد أصفق لبندر بن سلطان سفير السعودية في واشنطن آنذاك، الذي حاول مور أن ينتقص منه بالتلميح والتصريح إلى علاقاته الضاربة أطنابها في اروقة الساسة الاميركان.
اليوم أكتب عن بندر بن سلطان بعد أن غادر منصبه، وقد صنع في الولايات المتحدة ما لم يصنعه سفير في تاريخ المملكة من أثر وجهد وتمثيل لبلاده. اكتب عنه لأقول إن بندر قدم لنا كجيل سعودي شاب نموذجاً يحق لنا إن نفتخر به. لا أعرف سفيراً في تاريخ الديبلوماسية السعودية فعل ما فعله بندر بن سلطان. فإن قال أحد إن ذلك ليس إلا بدعم القيادة السياسية ممثلة بالملك فهد رحمه الله والملك عبدالله، أعطيته أصابع يديّ العشر لأؤكد ما يقوله، لكنني سأسأله: ألا يحظى معظم سفرائنا وبخاصة في الدول المهمة بذات الدعم أو نحوه على الأقل؟ فأين هم من بندر؟!
أجريت مقابلة مع الأمير بندر في برنامج (اضاءات) وكانت هي المقابلة الأولى له باللغة العربية، ولم يعرف بمحور من محاور اللقاء إلا قبل بدء التصوير بربع ساعة، وكانت محاور عامة بعيدة عن تفاصيل الأسئلة. قلت له، إن تعامله مع الإعلام الغربي، سيجعلني أرتاح معه واخرج من حرج الاسئلة التقليدية، فقال لي من حقك أن تسأل أي سؤال يطرأ في ذهنك، ومن حقي أن أجيب بالطريقة التي أراها مناسبة. سألته لماذا أثار كتاب بوب ودوورد (خطة هجوم) زوبعة في الاوساط الاميركية، عندما ذكر أن بندر بن سلطان أُخبر بقرار الهجوم على العراق قبل وزير الخارجية الأميركي (حينها) كولن باول، وهل كان لعلاقته الشخصية بالرئيس بوش دور في ذلك قال لي:«يا أخي في أميركا العلاقات الشخصية مهمة ولكن ليست أساسية، لو كانت علاقاتي الشخصية مع المسؤولين في الولايات المتحدة قوية أقوى مما هي الآن، وكانت الدولة اللي أنا أمثلها ليس لها قيمة ما حد كان شاورني في شيء… لو لم أكن أمثل المملكة العربية السعودية كان ما لي قيمة، ما كان عندهم احتياج أو أهمية أنهم يبلغوني أو يشاوروني».
ولأنه رجل دولة فإنه لم يضخم دوره الشخصي في الموضوع بل أعاد الفضل كله للوزن الاستراتيجي لدولته. لقد غادر بندر بن سلطان منصبه سفيراً للمملكة في واشنطن بعد أن لم تقتصر أدواره السياسية على التمثيل الديبلوماسي لأهم بلد نفطي واسلامي لدى اهم عاصمة عالمية فحسب، بل كان في قائمة طويلة من المهام السياسية، علمنا منها أثره في إنهاء ازمة لوكربي التي كانت ليبيا تعاني منها مع العالم، ما اوقعها تحت وطأة حصار اقتصادي وجوي طويل ومضنٍ، خلافاً للدور الذي لعبه بندر في لبنان تمهيداً لاتفاق الطائف.
شكراً بندر بن سلطان… باسم كل السعوديين الذين شرفتهم في واشنطن، اقولها بعد ابتعادك عن المنصب، وندعو لخلفك الامير تركي الفيصل بالتوفيق في مهمته الجديدة سفيراً للمملكة في واشنطن.