مجتمعنا السعودي حديث نسبياً، إذا ما قارناه بالمجتمعات الأخرى التي كانت “مرتاحة” مادياً، واستطاعت أن تبرز على المستويات الصحافية والفنية، مثل سوريا ومصر والعراق ولبنان، لكن السعودية بكل ما تحمله من غنى تاريخي تعتبر على المستوى الاجتماعي حديثة. التعليم للرجل والمرأة لم يكن بعيداً، والتنمية بدأت منذ عقود قريبة. قبل النفط لم تكن السعودية مغرية للاستعمار أو الاستثمار، كانت صحراء كبيرة يضرب أهلها الجوع والخوف والمرض، يسافرون إلى الهند والشام للعمل والتجارة. بعد تأسيس الدولة واكتشاف النفط شهدنا بداية التحولات، وبداية أول خطوة نحو النهضة والتنمية.
عزلة السعوديين عن المحيط آنذاك منحتهم تضخماً في الخصوصية وبعداً عن الذي يشغل العالم، لهذا كانت الاكتشافات التي يرونها صادمةً لهم، من الساعة إلى الراديو إلى السيارة، والتلفزيون. ثم جاء التليفون والبرقية وغيرها من الأدوات وهزّت أوصال البعض، حتى إنه وفي إحدى المدن حين دخلت أول سيارة وتكرماً من أعيان ذلك المجتمع قدموا “العلف” للسيارة، يظنّونها مثل غيرها من الدواب. إذن نحن مجتمع جديد على كل المستويات. كانت العقود الأربعة الماضية مهمة، حيث جاءت الطفرات الاقتصادية، لكن لسوء الحظ لم تكن مصحوبة بموجات تحديث ثقافية وفكرية بما يكفي للانعتاق المبكر من المحظورات التي نعيشها الآن، ولأكون أكثر وضوحاً فإنني أقول إن قراراتٍ كثيرة لو اتخذت في ذلك العصر، مثل قيادة المرأة للسيارة وسواها من القرارات المتعلقة بالمرأة، لو اتخذت آنذاك لكانت أسهل مما لو اتخذت اليوم. القرار الذي يؤجل تزداد صعوبة اتخاذه مع الوقت.
لا يجب أن نقرأ ظهورنا المتأخر على المستويات التعليمية والتنموية على أنه عيب، الخليج كله ظهر تنموياً خلال السنوات القليلة الماضية، المهم ألا نستسلم للتثبيط الذي يطرح، حين يعيّر البعض السعوديين أو الخليجيين بقرب نجاتهم من الجوع. الوضع الحالي في العالم يحتّم علينا أن ندرس بالفعل مسائل التنمية، في التعليم والصحة والثقافة، سعر البرميل اليوم يغذّي ميزانيتنا ويتحفها بالدولارات كل يوم، لكن التعاطي مع ذلك على اعتبار ديمومته جهل وغباء. ما لم ندرس خطط الخروج من التأخر في التنمية وفي مكافحة الفساد وفي تنظيم العمل الحكومي وترسيخ الإنتاج بدلاً من الثقافة الرعوية، ما لم نستغل هذه الثروات ببناء مستقبلٍ كامل متماسك فسنظلّ نتحدث عن “طفرات”، تتبعها هفوات وربما سقطات، دون “تنمية”، وما أسوأ الطفرات حين تخلو من أي بادرة تنموية!