أحياناً أعدد كثرة المآسي التي يعيشها الفرد المنضوي ضمن تنظيم حركي، سواء كان تنظيماً إسلامياً، أو شيوعياً، أو أياً كان نوع ذلك التنظيم العقائدي أو الأيديولوجي. أبرزها طمس فردانيته لصالح منظومة تحمل هموماً هي في الغالب أكبر من طاقاتها. ينشغلون بالقضايا الكبرى، كعملية السلام، أو المحجبات في فرنسا، أو طبقة البروليتاريا في الأورجواي، بينما لم ينشغل أحدهم بتنمية ذاته على كافة الأصعدة المعرفية أو العلمية أو المادّية.
أذكر شاباً حسن التدين، كان يقضي معظم يومه في المرور على بيوت الذين يتأخرون عن صلاة الجماعة، فيدخل عند هذا ويخرج إلى ذاك، ومن قهوةٍ إلى قهوة، ومن نصيحة إلى أخرى. أصبح ذلك الشاب مملاً للجميع، بادره ذات مساء مسنّ أكثر تمسكاً بالدين منه ونصحه نصيحة جميلة، حينما قال: “يا بني لو اقتطعت جزءاً من يومك الذي تقضيه في إزعاج الآخرين حول صلاتهم ومقاسات ثيابهم لو انشغلت بتنظيف أسنانك، وبغسل ثيابك وبالبحث عن وظيفة، أو أن تلتحق بالجامعة التي تركتها كسلاً وخمولاً”.
نصيحة ذلك المسنّ للشاب كانت صادمةً في البداية، لكنني رأيتُ ذلك الشاب بعد سنوات وقد أصبح دكتوراً حيث انتسب في الجامعة، وصار محباً للحياة، وبقي ممتناً لتلك النصيحة الصغيرة التي لم تتجاوز بضع دقائق. قبل أيام كنت أشاهد برنامج “منبر الجزيرة” على قناة الجزيرة الفضائية، هالني عدد المتصلين الشباب المتحمّسين حماسةً غير محمودة. أحدهم يطلب من الجيوش العربية الانقلاب على حكامها، وآخر يطلب من كل شاب حمل السلاح والذهاب لفلسطين وطرد إسرائيل من الأراضي الفلسطينية. كل تلك الأفكار هي أفكار جنونية. هناك جرائم حقيقية ترتكبها إسرائيل، لكن الفرد هو جزء من النظام السياسي الذي يعيش فيه.
قال أبو عبد الله غفر الله له: أجزم لو أن كل فردٍ خصص لنفسه ولمشاريعه الشخصية المادية والعلمية ما يخصصه للحديث عن القضايا الكبرى التي لا يحلّ فيها ولا يربط لاختفى الكثير من مظاهر البطالة، والفقر، والإرهاب. هناك أمر ننساه دائماً في معمعة غرقنا بالمشاريع الكبرى، وأعني به أنفسنا. تطوير الفرد الذات العملاق الذي بداخلنا.
جميع الحقوق محفوظة 2019