ختمتُ مقالتي بالأمس بمقولة للشيخ حمزة يوسف، رأى فيها أن من يحارب الفن “يجب أن يعالج”، ورأيتُ أن أعود إلى الفن لأتحدث عن قيمته في الحياة. ذلك أن الفن هو غذاء للروح، وبه يأنس المرء ويخرج من تعب الحياة وتفاصيلها وآلامها. فالموسيقى مثلا مسألة شبعت طرحا بين من يحرم ومن يبيح، لكننا لم نطرحها بالشكل الكافي كانعكاس على سلوكنا وحياتنا. فالمبدع حين يستمع إلى الموسيقى قبل أن يأتي إلى عمله، واللاعب حين يستمع إلى نوع الموسيقى المفضلة لديه ثم يحضر لملعبه يشعر بالاستعداد النفسي والبدني، وآثار الموسيقى الإيجابية على الإنسان، بل على الطفل كثيرة.
يقول جون بارو: “لقد وجدت حضارات بلا رياضيات، حضارات بلا رسم، حضارات حرمت من العجلة أو الكتابة، لكن لم توجد حضارة بلا موسيقى”، مما يعني أن الموسيقى مرتبطة بالبشر، وهي نتاج البشر أنفسهم، اخترعوا الآت مما لديهم من أدوات بدائية، فالموسيقى ليست مؤامرة دولية منظمة من قبل الماسونية العالمية بل هي من نتاج البشر. في أفريقيا تجد شعبا منعزلا لكنه صنع رقصته الخاصة، ولديه موسيقاه، ويحب أن يعزفها أو أن يستمع إليها. والموسيقى تطورت كما تتطور بقية العلوم والمعارف، وكلما ازدهر وعي الإنسان ازدهرت موسيقاه.
والموسيقى فضاء مريح للإنسان، كما أن نيكولاس كوك يقول عن تأثيرها: “عندما تستمع إلى الموسيقى تشعر كأنك تهجر عالم البشر والأشياء، وتلج عالم الفكر والمشاعر، أو على أقل تقدير هذا هو أحد الانطباعات الكثيرة التي تورثها الموسيقى”. لأن الموسيقى العظيمة هي التي تنفذ إلى الروح، فتشجع الإنسان على الإبداع، وتعطيه الإلهام. والذين ينفرون من الموسيقى إنما ينفرون من أنفسهم، والذين يكرهونها إنما يكرهون إلهامها أيضا. الموسيقى ليست شيطانا وقد تجسد في ناي أو بيانو! بل هي أداة ومنتج بشري، ومجال من ابتكار البشر ونمو وعيهم وتطور مشاعرهم، لهذا فإن الفن بات ضرورة ملحة، ولا يمكن أن نكون غائبين عن التأثر والتأثير في عالم الموسيقى الرحب، والذي تشارك فيه الآن كل الحضارات بلا استثناء، مع أننا نحن المسلمين أقلهم مشاركةً فيه وإبداعا.
قال أبو عبدالله غفر الله له: والموسيقى اليوم موجودة لدينا، فهناك معهد تعليم موسيقى للسلام الملكي، وطارق عبدالحكيم الفنان الكبير درس في المعهد ودرّس، ولكن المعهد لم يتطور ليشمل بقية مناطق السعودية وشرائح المجتمع الأخرى في المدارس والجامعات.