إذا تأملت في نشرات الأخبار التي تدار على القنوات التلفزيونية منذ أشهر، ستجد حتماً أن ثلث النشرة أو يزيد عبارة عن أخبار تتعلق بتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). هذا التنظيم الذي وصلت ثروته ثمانية مليارات دولار بعد دخوله الموصل، يتسلّح بسيارات الدفع الرباعي، ويصرف على أعضائه آلاف الدولارات شهرياً، ويجنّد الأتباع من الخليج والدول العربية عن طريق تركيا، ويستقبلهم بألفين وخمسمائة دولار فور وصولهم إلى منافذ الدخول من تركيا خاصة. هذا التنظيم لم يعد خطراً واقعياً، بل «الخطر الحقيقي»، كما قالت واشنطن. القصة لن تكون قصيرة، بل طويلة جداً، ذلك أن هذا التنظيم الغامض يحتاج إلى إبداء العديد من الملاحظات للحث على التفكير في نزعاته، وأهدافه، ومآلات تحركاته. من الملاحظات المهمة تصريح وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان الذي قال فيه: «إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) لا يشكل أي تهديد للجمهورية الإسلامية»! بينما تصرّح الدول الأوروبية، والأردن ودول الخليج، والعراق وكل الدول في العالم، بأن هذا التنظيم خطر محض، وتهديد حقيقي. لكن أن تطمئن إيران إلى هذا التنظيم وبأسه، وعلى لسان وزير الدفاع أيضاً، فذلك مما يجعل من الملاحظة حول دعم إيران لـ«داعش» حقيقة بالدرس والتحليل. إيران لا تدعم فقط الحركات الشيعية، كما يظنّ البعض، بل دعمت الحوثيين الزيديين في اليمن، ودعمت «حماس» السنية، ودعمت «القاعدة» السنية، وتدعم بنفس الوقت «حزب الله» الشيعي، وتعارض أحزاباً شيعيةً أخرى معارضة لسياساتها مثل شيعة أذربيجان! القصة في دعم «داعش» قد تكون حقيقية. الملاحظة الثانية أن هذا التنظيم قفز بالسواد الإرهابي إلى أقصاه، وصارت هناك حالة من السخرية إذ تعددت مراتب الإرهاب فصار إرهاب «القاعدة»، كما يذهب بعض المحللين، «وسطياً»، وهذه من سخرية تحولات موضوع الإرهاب، إذ قفزت «داعش» بالمستوى الإرهابي والدموي بما لم تصل إليه «القاعدة»، الأمر الذي جعل من منظّر السلفية الجهادية وقطبها الفقهي الأكبر، أبو محمد المقدسي، يتهم التنظيم بالغلو. ووصل تنظيم الدولة إلى أن اعتبر الظواهري كافراً، فصرنا أمام مسرحية مضحكة حيث يتم تكفير رموز وأتباع تنظيم «القاعدة». هذه الملاحظة علامة على أن الحرب على الإرهاب لم تكن ناجحة بما يكفي، وأن الفيروس يتجدد ويتطور تبعاً للمحفزات الموجودة في الخطاب الديني المنثور والمبثوث في شتى المنابر والمسارح. الملاحظة الأخيرة، أن هذا التنظيم لديه تصويب ميداني وتخطيط قوي ورؤية جاهزة للتوجه إلى السعودية، وهذا الحلم الذي نتمنى أن لا يحدث يعبر عن الاستراتيجية التي وضعت له. ألم يكن التنظيم في خندق إيران من خلال مواجهة «الجيش الحر» بغطاء جوي سوري، وبحماية مدافع النظام السوري؟! بمعنى آخر فإن «داعش» لا تعارض إيران في سياسةٍ واحدة، وهدفها ليس إسرائيل، بل السعودية.. أبعد هذه الأجندة نسأل في أي رحمٍ تخلّقت «داعش»؟! هذه الملاحظات أضعها بين يدي القارئ، ليجول فيها، ويعزز من الأسئلة التي أطرحها، ويومياً ينتج التنظيم العديد من الأسئلة في عين المراقب وعقله، ويدفعه نحو الحيرة والحذر. «داعش» عبارة عن ثمرة الفوضى وتتويج للحراك الخادع الذي سمي بـ«الربيع العربي»، وويل لأمة اعتقدت أن النار برداً، وأن الخريف ربيعها.
جميع الحقوق محفوظة 2019