انقطاع دام أكثر من شهر عن هذه الزاوية الأثيرة على نفسي. أتساءل عن سر الكتابة الذي يدفعنا نحو صف الكلمات، وإنشاء علاقة مع الحبر والورق، ومع الكيبورد والإليكترون. جزء من مهمة الكاتب أن يقول أفكاره لينشرها، لكنّ هناك جانبا آخر، وهو أن الكاتب يبوح بمالديه لكي يرتاح. الكتابة فيها ارتياح. حينما يكتب الكاتب فإنه يحاورنفسه، وذاته. أحب الكتابة لأنها تعطي الإنسان الراحة التي يحتاجها حين يكون في ظرفٍ عصيب مثل هذا الظرف. الكاتب أيضاً لا يكتب لأنه فهم كل شيء وآن أوان طرح الأجوبة، بل يكتب لكي يفهم، ويشرح الفكرة لكي تتجدد.
أفكر بالأحداث التي تجري الآن. بين آخرمقالة كتبتها هنا وبين اليوم بحر من الأحداث النازفة. والكثير من المستجدات التي حدثت، مما يجعلني أقول ببساطة: نحن في زمن خبَري قلّ نظيره في تاريخنا المعاصر. وصدق من قال إننا اعتدنا قراءة التاريخ، لكن أحداث 2011 جعلتنا نشاهد التاريخ بأم أعيننا. بانقطاعك عن الزاوية في إجازتك تسقط أنظمة وتقوم أخرى. صارالتاريخ يسير بسرعة. الأحداث تتناسل وتتوالد. في كل يوم خبرمن هنا أو هناك. من بدء الثورة السورية ونشاطها والمواقف التي أطلقت من خطاب الملك عبدالله إلى موقف الجامعة العربية ممثلاً بـ22 دولة، إلى الحدث الليبي الساخن الآن، وسقوط طرابلس، وأفول زمن القذافي، ودخول الثوار إلى مخازن ألبسة القذافي وأولاده. كل تلك الأحداث جرت في أسابيع قليلة، وبينها مسافة قصيرة، إنه التاريخ الذي صار يسير بسرعة البرق، فبعد أن كانت الدول لا تسقط تباعاً، أصبحت الأنظمة تتساقط، لدينا خمسة أنظمة بعضها سقط وبعضها يعيش حالة من الاحتضار أو الترنح!
الكتابة حياة. نكتب حتى نستمر في الحياة. الحياة هي إضافة للكاتب قبل أن تكون إضافةً للقارئ. إن الكتابة في الزاوية أو المدونة أو صفحة الفيسبوك أو تويتر تعتبر حياةً تضاف إلى حياتنا. الكتابة ضوء. بالكتابة نستطيع أن نفهم. الثورات الحالية عبارة عن أحداث قاسية وصادمة وقوية، لها إيجابياتها وسلبياتها، لكن حتى نفهم الحدث الحالي لا بد من الكتابة والقراءة. لا بد أن نعود إلى تاريخ تلك الأنظمة التي سقطت والدول التي ثارت، فنعيد القراءة والكتابة.
قال أبو عبدالله غفر الله له: والكتابة لا تقدم أجوبةً بالضرورة، بل يمكن أن تفتح لنا أسئلة، وأن تذهب بنا نحو مساحات أخرى للفهم لم نعهدها أو نعرفها، والفكرة التي تدور في أذهاننا حين نكتبها نراها وقد صارت جسداً، وقد أصبحت شكلاً. الكتابة غذاء ودواء، والحبر والورق أوالكيبورد والوورد هي الأدوات الأثيرة لكاتب هذه السطور.