فكرة الحجب ليست محببة لي أبداً، لا أطيق الوصاية على الإنترنت أو الصحافة أو الإعلام، لأنني من صميم تفكيري مع الحريات الإعلامية والإلكترونية وضد الحجب التعسفي الذي يقيد حركة الناس وحرية تعبيرهم وتفكيرهم. في تونس فتح “تويتر” بعد زين العابدين بن علي. وفي مصر تعرض الإنترنت لضربات متتالية ولهزات كبيرة بحجب مواقع التواصل الاجتماعي من “فيسبوك” إلى “تويتر” وهما الموقعان الأكثر شعبية في العالم، وبعض الساسة لا يستوعبون معنى حجب موقع تواصل اجتماعي ربما بسبب عدم استخدامهم للإنترنت، فيحجبون موقعاً كبيراً من دون تفكير أو تروّ فيستفزون مشاعر الناس.
من أظرف الأخبار التي قرأتُها بالأمس الخبر المنشور في صحيفة “الشرق الأوسط” والذي جاء فيه: “سرت أنباء في دمشق، أمس، عن قيام الحكومة السورية بمكافأة مواطنيها برفع الحجب عن مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك – تويتر – يوتيوب)، وذلك لعدم استجابتهم لدعوات مجموعات على شبكات التواصل الاجتماعي للتظاهر فيما سمي “يوم الغضب السوري” على غرار الاحتجاجات التي جرت في تونس وتجري في مصر، وقد تمت مواجهة تلك الدعوات في سورية على شبكة الإنترنت من خلال تشكيل عشرات المجموعات المؤيدة للنظام السوري، والداعية إلى الحفاظ على أمن واستقرار البلاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تحجبها السلطات السورية منذ نحو خمس سنوات”.
لأول مرة أسمع عن مكافأة الشعب بأن يفتح لهم موقع طبيعي عادي.. موقع فيه تواصل اجتماعي للتعبير والبوح، فهي مساحات افتراضية للحركة والأنس واللقاء والنقاش، تكافئ الحكومة السورية شعبها بهذه الطريقة، أن تفك الحجب عن مواقع إلكترونية، وكأن الحرية “حلوى” توزع على الشعوب مع أنها الحق الأساسي الذي لا نقاش ولا مراء فيه.
المواقع الإلكترونية التواصلية صارت العالم الافتراضي الذي يسكنه الناس، “تويتر” و “فيسبوك” برامج الدخول إليها متوفرة، إلى أجهزة “الجوال”، والفرد يتواصل مع ملايين الأشخاص بلحظة من خلال ضغطة زر، لكن مواجهة الحكومات لمثل هذه المواقع خطأ فادح، وفيه جهل بطبيعة الشباب وسوء تصور لآمالهم وطموحاتهم. التجاهل الذي مورس من قبل الحكومات العربية تجاه جيل كامل ناشئ بدأت تحصد آثاره من خلال التمرد أو الزحف نحو مطالبات بالحرية والديموقراطية والعدالة.. ليس بالحجب وحده تبقي الحكومات عروشها.. بل بالانفتاح على الشعوب أولاً!