كتب الزميل عبدالله المغلوث مقالاً جميلاً في جريدة الوطن السعودية (29-7-2005) عنونه بـ”من يجرؤ؟”، واستعرض فيه قصصاً لنجوم في الحياة العامة الأميركية تحولوا من رحم المأساة إلى قمم الإبداع والإنجاز. عرض قصة “جون والش” الذي تحول إلى مقدم برنامج ناجح يبحث فيه عن المجرمين في الولايات المتحدة ويساعد في تسليمهم إلى العدالة بعد أن كان قبل 25 عاماً حارس شاطئ في فلوريدا، تطورت حياته، عندما اختطف طفله وقتل بعد أن اعتدي عليه فسخر نفسه لمتابعة المجرمين، وساهم برنامجه في القبض على أكثر من 7000 مطلوب.
و من النجوم, النجمة التلفزيونية السمراء “أوبرا وينفري” ذات المدخول الأعلى في عالم الإعلام, وقد احتلت قبل شهرين رأس قائمة أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم طبقاً لتصنيف مجلة “فوربس” الذي ضم الشخصيات المئة الأكثر تأثيراً, وذلك بعد أن كانت “وينفري” العام الماضي في المركز الثالث. “وينفري” أيضاً تميزت وأبدعت بعد أن تعرضت لضرب مبرح من جدتها وإيذاء جسدي من ابن عمها في طفولة لم تصل سنيها إلى أكثر من تسعة أعوام.
المغلوث تابع كاتباً عن الممثل الهوليوودي “توم كروز” الذي عاش مع أمه وحيداً بدون عائل بعد أن غادرهما أبوه في سن مبكرة، والممثلة “جينفر أنستون” التي كانت أمها تسخر من أنفها في مراهقتها، ثم قال بألم: “قصص كثيرة أسمعها وأقرؤها يوميا لنجوم حولوا الصعوبات التي واجهوها إلى أدوات للنجاح والتألق. والغريب في الأمر أنني لا أتصفح أو أقرأ عن قصص مماثلة في السعودية أو الوطن العربي إلا نادراً في وسائل الإعلام. بلاشك لا نملك نجوما بوفرة أميركا, لكن قطعا نملك قصصا ملهمة للجيل الصاعد الذي يبحث عن أمثلة تقوده إلى النجاح وتؤكد له أنه ليس وحيداً, وأن العوائق ربما تكون حافزاً للنجاح”.
تساؤل زميلنا المميز مشروع جداً، والإجابة على جزء منه تكمن في الفارق بين الشفافية والبساطة والإنسانية, والفارق بين ذلك كله وبين ادعاء الكمال والازدواجية والتناقض الذي نمارسه في عوالمنا صباح مساء.
ألم يقل لك أحد إن والده قال له يوماً: يا بني افعل ما شئت ولكن لا تطلع عليه الناس؟!
ألا تعلم يا “عبدالله” أن ثقافتنا تقوم على التفريق بين ما نمارسه في الليل وننظّر له في النهار؟
ألم تتصفح صحفنا لترى أننا فجعنا يوم بدأنا نقرأ عن التقصير فيها، وقد كانت أزماناً قبل ذلك, نشرات للحديث عن عظمتنا وكمالنا وإنجازاتنا؟ ألم تتنبه يا صديقي إلى أننا لا نكتشف أخطاءنا إلا إذا أصبحنا على المحك، وإذا وقعت الفأس في الرأس. فمن سلم فله أن يستفيد من مصيبته إن كان عاقلاً وما أقلهم، وإلا فليرعَ مع الهمل، تحت طائلة أنه مسير لا مخير!
إن الصورة المكتملة التي نحاول أن نظهر عليها، ليست خطأ، لكن الكمال لله. وقد أصبح الناس مؤمنين بأن الوصول إلى الناس يكون بالبساطة التي تحتمل الخطأ، ولا تعيبه ولكن تعيب الاستمرار عليه وعدم الاعتذار عنه، والإصرار على عدم التغير.
إن بداية الإصلاح يا “عبدالله” تكمن في أن نعرف أننا شعب مثل باقي شعوب الأرض الذين خلقهم الله. خلقنا لأم وأب، بعد حمل تسعة أشهر في الغالب، وأي محاولة لتمييزنا عنهم، هي محاولة للقفز على الحقيقة، والنظر إلى الآخرين من علٍ يكسر الرقبة ولا يجعلها تشرئب!.
جميع الحقوق محفوظة 2019