أمدّت الأزمة مع قطر المحللين السياسيين في العالم، بالأدلة الدامغة على الثغرة المهملة، التي كانت تغذي الإرهاب، وعناصره، وجماعاته، طوال عقدين من الزمان. الهبّة المجتمعية والإعلامية كانت بمستوى التحدي، لم يكن الخلاف حول بنود اقتصادية، أو مسائل اجتماعية، أو حول تقدير مواقف وتقييم حلول، بل بين نظام يهدف إلى زعزعة الدول، وإسقاط الأنظمة، وتقسيم جغرافي للسعودية ولبقية الدول الأخرى… تسجيلات صادمة سمعها العرب خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، منها ما يخص السعودية، وأخرى تخص البحرين، والتلاعب بأمنها القومي والاجتماعي، هذا فضلاً عن تسجيلات تخص مصر كما يقول الإعلامي عمرو أديب، كل تلك الأدلة تفضح تآمر قطر ضد الدول المجاورة، والدول الشقيقة التي تقيم معها علاقات، ووقعت فيما بينها اتفاقات.
في المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، نصت الفقرة الأولى على هدف المجلس الأبرز: «تحقيق التنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها». وفي الفقرة الثانية: «تعميق وتوثيق الروابط والصلات، وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات». كان هذا الإعلان بمثابة طوق نجاة لدول الخليج من التحديات الإقليمية والدولية، ولاحتواء الدول الصغيرة من الابتلاع، ولتحصينها من الأطماع، ولنتخيل كيف سيكون عليه حال الكويت عام 1990، من دون تعاون دول المجلس، وكذلك الأمر في البحرين عام 2011، إنه نشاط حي، وتعاون قوي، رغم ارتفاع سقف توقعات الشعوب من المجلس، غير أنه قدم الكثير على المستويات الاجتماعية والمؤسسية.
لكن الآفة أن يكون مجلس التعاون طوال عشرين سنة موضع اختراق، فإمداد إيران بالمعلومات، والوقوف في صف الإرهاب ضد المجتمع البحريني شكل طعنة تاريخية غير مسبوقة، إذ تدخلت دولة مثل قطر، لتؤوي الإرهابيين من أعضاء تنظيم القاعدة، وتمدهم بأكثر من 64 مليار دولار، وتعطي الزرقاوي بيتاً وجوازاً قطرياً للتنقل، وتدعم عشرات المقاتلين من بينهم عبد الله المحيسني، مفتي القاعدة في سوريا وتدعمه مادياً ولوجيستياً، وهو المطلوب أمنياً لدى المملكة العربية السعودية، ثم تدخل مع التحالف العربي لإعادة الشرعية باليمن دخولاً تآمرياً، وتضع الخرائط بيد الحوثيين الذين اعترف والدهم ورمزهم، بدر الدين الحوثي، بشكره لدولة قطر عام 2010، على الدعم الممتد، وتضع المعلومة تلو الأخرى، بأذن النظام الإيراني الداعم للحوثيين والانقلابيين!
ومن ثم يصرح رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم، بأن على الإخوة النظر إلينا «كشقيق أصغر»، وكأنه يطالب بنسيان تلك المرحلة، باعتبارها كما يقول «تضمنت أخطاء» لدى السياسة القطرية، لكن كل ذلك القول لم يتضمن أي اعتذار، أو إيضاح، أو تبرير، وحين جاء الخلف، تميم، ظنّ القادة الكبار بالنجل خيراً، أعطوه فرصة امتدت لثلاث سنوات، غير أن أحداث اليمن، واستمرار دعم تنظيم القاعدة، وانجراف قطر لدعم الإخوان المسلمين، واستمرار الإيواء والتجنيس لأعداء دول الخليج، ومصالح شعوبها قد بدد الظن الحسن، وتبيّن أن حليمة لم تغادر عادتها القديمة!
المرحلة الآن صعبة على قطر، وليس ثمة طريق أخرى غير العودة إلى المجال العربي، وإلى محور الاعتدال، أو الاختيار الصريح والعلني، غير الموارب بأن قطر اختارت الانضمام للمحور الإيراني، والتحالف مع حزب الله، والحشد الشعبي، وتنظيم القاعدة وميليشيا داعش، وجبهة النصرة، حينها تكون الصورة واضحة لدى دول المنطقة من دون الحاجة إلى الظهور بصورتين، والرهان على سياسة «التناقضات» التي رسمها الأمير الأب مع فريقه القديم.
وإذا كان الشغب سيستمر لدى نظام قطر، فإن آمال الخروج من المآزق السياسية العربية، ستكون ضعيفة، وسط رغبة شعبية قطرية جامحة بالعودة إلى مجالهم الطبيعي… مجتمعات الخليج العربي، لا الفارسي!