هل السعادة موجودة في الشخص نفسه؟ أم في المحيط الذي يحيط به، والواقع الذي يعيشه؟
من أكثر الأمراض الفتّاكة التي تنخر عظام البشرية هو “الاكتئاب”. إذ ينتشر كثيراً مع انسداد الأفق وانتشار الفقر وتجدد الأزمات والأمراض. وهو داء يمتصّ الحماس والاندفاع نحو الحياة. ومن أجمل ما قرأتُ في هذا الصدد ما كتبه كريم مروة عن ضرورة النأي بالشباب عن رؤية الواقع بطريقة متشائمة، أو التعامل مع الواقع بطريقة حزينة.
قرأتُ قبل أيام تصريحاً للفنان اللبناني: مروان خوري، وهو فنان مهم، وله أغنياته التي سارت بها الركبان، يتحدث عن السعادة والألم، يقول في الحوار: “لم أرقص في حياتي أبداً لأنني لم أعرف السعادة، بل أعرف القلق الدائم”. ولسان حاله يمتثل قول أبي الطيب:
على قلقٍ كأن الريح تحتي … تحركني يميناً أو شمالاً!
وأظن أن السؤال الذي بدأت به المقال هو الذي نحتاج إلى الإجابة عنه، هل تصنع الذات السعادة، من داخلها إلى الخارج؟ أم أنها مكتسبة يأخذها الإنسان من الواقع؟ هذا هو السؤال الذي أتمنى على كل قلق أو متألم أو باحث عن السعادة أن يفكّر فيه جيداً.
من خلال ما رأيتُ وما قرأتُ من رسائل للقراء أو ما اطلعت عليه من كتب حول الاكتئاب والسعادة، هذه الأخيرة موجودة في داخلنا، نصنعها نحن في داخل تفكيرنا. نصنع السعادة من خلال تجديد رؤيتنا للحياة، عندما لا تأسرنا مشاهد الموت أو الأوجاع والآلام، وتمنعنا عن مشاهدة الورود وركض الأطفال ورقص الطيور في أعشاشها، وجمال الحقول والخضرة. ترتبط السعادة كثيراً بقدرة الإنسان على تحويل رؤيته من رؤية الأمور السيئة والمحزنة إلى رؤية الأمور المفرحة والمبهجة. هذه هي السعادة.
قلتُ: الذي أضاع الباحثين عن السعادة اعتقادهم أن هناك عالماً سعيداً يمكن أن يأتينا في حال حصولنا على الأموال الطائلة، أو المناصب العالية. بينما السعادة في التوسط في كل شيء كما قال أرسطو قديماً. وفي الحديث النبوي: “من عاش آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”. وفي المثل العربي: “الغنى غنى النفس”. والسعادة تنبع من جمال النفس لا من جمال الواقع لأن الواقع دائماً هو مسرح الأحداث المؤلمة والقاسية.
جميع الحقوق محفوظة 2019