سعدتُ كثيراً بالتفاعل والتعليق على مقالتي: “المبتعثون ليسوا صيّعاً”، المنشورة هنا قبل أيام. ولفتت نظري تعليقاتٍ كثيرة، جلّها تبدي رأيا بموافقة أو اعتراض، وأرحب بكل الآراء. لكن ما لفت نظري هو نسبة من أكد من المبتعثين على أن كلام الواعظ صحيح، وهؤلاء كانوا يتجاوزون العشرين في المئة من التعليقات، وبالنظر لتحسرهم على حال من يعتبرونهم يرتادون الحانات، فهذا يعني أنهم لا يفعلون ذات الشيء، وعليه فهذا يؤكد أن نسبة الثمانين في المئة ضرب من ضروب التهويل والمبالغة، لا يمكن أن يثبت بحال، إلا بإحصائية دقيقة. على كل حال فالداعية صاحب نسبة 80? اعتذر على نفس القناة التي ظهر فيها وهو يبكي، ولدى سؤاله عن مصدر المعلومة قال وعيناه غارقتان بالدموع إن معلومته “عمن يتعاطون الخمور منقولة له من ثمانية رؤساء لأندية الطلاب الذين التقاهم في بريطانيا”. غير أن صحيفة «الحياة» نقلت نفي رئيس جميع أندية الطلاب في بريطانيا الدكتور إبراهيم الصيني، ونفي اثنين من رؤساء الأندية أن يكون أي منهم قد أعطى هكذا معلومة للداعية أثناء زيارته إلى عدد من المدن البريطانية في عام 2009.
بمعنى أن المعلومة مصدرها مضطرب ومشوش، وهي بالتأكيد خاطئة، ولا يمكن أن تكون حكماً قاطعاً على أكثر من مائة وعشرين ألف مبتعث ومبتعثة يصلون الليل بالنهار وهم يدرسون ويطالعون ويبحثون عن النجاح والتفوق. أيها السادة، آن أوان إنهاء هذا التشكيك الدائم بالناس، ومراقبة سلوكهم، والتلصص على خصوصياتهم، والتهم التي توجه للأعراض هي الأخطر، وإذا كان لدى الدعاة أو التربويين من جهد فليبذلوه لتعزيز الثقة بالذات في نفوس من حولهم ومن يثق بهم، إن المسؤولية الذاتية والفردية عن النفس هي أنبل الطرق التربوية والدعوية. كان عمر بن الخطاب ينهى عن التجسس والتلصص حتى في الحسبة. وهذه الاتهامات خطيرة، وإن اعتذر قائلها، غير أن الدرس يجب أن يأخذه البقية بالحسبان، فهناك قبل هذا الداعية من تحدث عن انغماس بعض المبتعثين بالمخدرات!
قال أبو عبدالله غفر الله له: من الهراء أن نعتبر كل المبتعثين من أهل الطهارة الكرام البررة، لكننا يجب أن نشجعهم على الخير، لا أن نصمهم بالرذائل، لنعزز فيهم الإيجابية، ونحاول إبعادهم عن السلبية، وبالجملة فالابتعاث مشروع إيجابي، يهدف إلى رفع كفاءة التنمية والمردود العملي الوطني، والذين يدرسون الآن في الخارج سيعودون جميعاً ليكونوا سواعد تأخذ المؤسسات والوزارات والشركات نحو إنجازٍ وإنتاج مبهر، حينها سنستمع إلى أخبار إنجازاتهم مهما علت أصوات المجرّحين والمثبطين!