المشاكل الاجتماعية لدينا في السعودية عديدة، كما في كل مكان. بل إن الكثير من المآسي التي يعاني منها الناس أساسها اجتماعي. سواء تعلق ذلك بالزواج وطقوسه، أو بالمرأة والعلاقة معها، أو بالحركة الاجتماعية والمناسبات والعادات والتقاليد. كلها كوارث اجتماعية بحتة. الجميل أن البرامج التي يقدمها شباب سعودي مبدع على اليوتيوب أصبحت تتناول القضايا بشكلٍ واضح، بل وكوميدي كما في “ايش اللي”، أو “لا يكثر”، أو “ع الطاير”، أو”التاسعة إلا ربع”، وكذلك “مسامير”، الذي يمتاز عن البرامج السابقة بأنه كرتوني، ثم إن الشخصيات التي تجسد الأدوار غاية في الظرافة وخفة الظل.
حلقة “ذات زواج” من برنامج “مسامير” جاءت موفقة، كانت مترابطة من بدايتها حتى نهايتها. قرابة العشر دقائق وأنت تشاهد الحلقة لا تملك إلا أن تضحك وتأسى بنفس الوقت، وهذه هي طبيعة النقد الكوميدي العميق، أو الكوميديا السوداء، ناقشت الحلقة قضايا تتعلق بالزواج، والعنصرية القبلية، وكذلك مشكلة معنى الزواج لدينا. حين يناقش الشاب طبيبه النفسي يقول له: “أهلي زوجوني عشان أعقل” وهذه العبارة بليغة، لأن الزواج لدينا ليس كما هو لدى الأمم الأخرى، تعبير عن رغبة أساسية للاقتران بالشريك، بقدر ما هو في الغالب تعبير عن أشياء متعددة، كأن يزوج الشاب أو الفتاة، ليركد أو يعقل او تربط شياطينه، فيدخل المرء قفص الزوجية لعله يرشد ويؤوب إلى عقله!
أصبحت البنت سلعة تعطى للشباب الذين يعانون من السهر والتفحيط والتطعيس حتى يكونوا أكثر رشداً وعقلاً! لا يتزوج الشاب لأنه يريد تأسيس مؤسسة تكمل المجتمع ليصنع عائلةً تكون عوناً له في حياته، ولا يتزوج لأنه أحب هذه الفتاة، ولا يتزوج لأن المرأة تكون شريكته وصديقته في البيت والسفر والحل والترحال، كل تلك النماذج الراقية من الزواج قليل وجودها، إذ يغلب على الزواجات ما قالته شخصية الشاب في الحلقة “اكشط واربح” وللأسف أن هذا من أسباب الطلاق الرئيسة، ولا أدري من نلوم على هذا التردي في معنى الزواج والهدف منه! بالتأكيد نلوم التقاليد الاجتماعية.
خاتمة الحلقة من “مسامير”، للمبدع مالك نجر، يتزوج المسنّ طفلة بالكاد تلعب بدميتها، والأب يطلب من طفلته أن توافق على الزواج وسط دهشتها وبراءتها، وكم هو موفّق من اختار للبنت هذا الوجه البريء حتى وهو رسم كرتوني مما يجعل المشهد أكثر تأثيراً وأدق تعبيراً.
قال أبو عبدالله غفر الله له: من الرائع أن تنتشر هذه الانتقادات للتقاليد الاجتماعية، لأن التقاليد ليست مبرأةً من النقد، بل لا يمكننا أن نتقدم خطوة واحدة من دون التعامل العصري والحضاري مع التقاليد لتعديلها وتغييرها وتجاوزها إلى ما هو أنفع وأجدى.