يفتتح اليوم معرض الشارقة الدولي للكتاب. لو سألت أي ناشرٍ عربي عن المعارض الأكثر أهميةً في العالم العربي فسيأتي معرض الشارقة ثانياً أو ثالثاً على أبعد تقدير، وله خصوصيةٌ عالية باعتبار حاكم الشارقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، مؤرخاً ومثقفاً، ويهتم كثيراً بالكتاب.
في برنامجٍ معه يسرد ذكريات حياته مع الكتاب، ذكر في تلفزيون الشارقة أنه يخصص أسفاراً خاصةً بالكتابة والتأليف، وهذا يذكّرنا بأنماط التأليف لدى الروائيين الكلاسيكيين، الذين ينهضون من أماكنهم المعتادة لخلق بيئة للكتابة خارج المكان، ويهتم ويشرف على المعرض بنفسه. هذا يجعل الإقبال عليه كبيراً من مختلف أنحاء المنطقة، عدا عن كثافة البيع في معرض الشارقة، إلا أنه يحوي سنوياً ندواتٍ فريدة، ومحاضرات ماتعة، ويقام على هامشه ما لا يقل عن فوائد الكتاب وفرائده، وقد كان لي حظ المشاركة فيها بأكثر من مناسبة خلال الأعوام الماضية.
لو أخذنا هذا الحدث، لوجدناه يأتي ضمن سياق الاحتفالات الثقافية بالإمارات من أبوظبي، ودبي إلى الشارقة، وبقية المدن. قبل أيام كانت مسابقة «تحدي القراءة» في دبي، وفي الثلاثين من أكتوبر أطلقت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة هويتها المؤسسية المحدثة، وأعلنت عن خطة تسويقية، والآن يأتي معرض الشارقة للكتاب. والمعارض التي تقام في المدن الإماراتية يشارك فيها الطلاب، وذلك من خلال كوبونات الشراء المدعومة من الحكّام.
هذا نمط من التشجيع على الشراء يدفع باتجاه الاهتمام بالقراءة والاطلاع، مما يثبت أن القراءة همّ عامّ لدى المسؤولين والتربويين بالإمارات، ونتذكّر ما نقلتْه صحيفة الخليج عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي قال: «هدفنا أن يكون العام 2016، بدايةً لتغيير ثقافي وحضاري مستدام بين أجيالنا، نحو التغيير الذي يرسّخ قيمة الكتاب ويمجّد العلم، ويُعلي من شأن القراءة».
مرّ زمنٌ طويل امتدّ لأكثر من عقد والألسنة الحداد تلوك اسم الإمارات بوصفها مجموعة من الأجانب، يسكنون غابةً من المباني، مدّعين عدم وجود حراك ثقافي، أو تأسيس فكري، أو نشاط صحافي، ولكن هذه أقوال نشأت من خلال «حالة الاستكثار»، التي شعر بها تجاهنا بعض الإخوة العرب، وهي ظاهرة لم تنتهِ، فالوزير السابق والنائب اللبناني وئام وهام، له تغريدات في ذلك، وقد رأى أن «النفط ليس ملكاً للخليجيين، بل ملك للعرب، مهدداً باستعادة النفط طال الزمن أم قصر».
ثم يأتي التعيير بالبداوة والجمال والصحراء، مع أنها ليست نبزاً لنا البتة، فالبداوة قيم وأسس وسلوك وائتمان وتعاقد، وأما الجمال فهي الناقلات الأكثر إعجازاً، بينما الصحراء هي أساس كل شيء كما يعتبرها روائي اهتمّ بمعاني الصحراء في كتابات عديدة وأعني به إبراهيم الكوني، وبالتالي فإن الكلام الذي يقال لا قيمة له، إذا ركّزنا على المنجز الذي بين أيدينا في معارض الإمارات المتعددة المستقطبة، لكبار الفنانين والمفكرين العالميين.
ونحن نتطور لا لنثبت للآخرين مستوى التقدم الذي نعيشه، بل لنقوم بما يجب علينا فعله تجاه الحاضر والمستقبل، وانتظاماً مع سيرورة التاريخ وحركة الواقع.
التطوير الأبرز الذي تشهده الإمارات وبعض عواصم الخليج مترابط، بدأ البناء والتأسيس، والتقنين والمأسسة، ومن ثم التسويق للمنجز، أتى ذلك متزامناً مع العمل الثقافي، وجهود مؤسسة محمد بن راشد الثقافية في الترجمة ودعم التأليف كبيرة، وذلك من خلال تحالفاتها مع دور نشرٍ عربية متنوعة الطرح والتخصص، ولعل التعاون الأبرز والأشهر ما قامت به مع «المنظّمة القوميّة للترجمة»، حيث الاهتمام بعيون الإنتاج في العلوم الإنسانية، لترجمة النصوص الكبرى من شتى الثقافات واللغات بالعالم.
يحقّ للثقافة والمثقفين الرعاية، في زمنٍ كادت أن تطغى عليه سمات التفاهة والتجهيل.