لم يكن أكثر الناس شطحاً في تحليلاته يتوقع واقعاً لبنانياً كهذا:
– مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في تفجير دموي ناسف وسط بيروت، والوفيات 17، لم توجد جثة أحدهم إلا بعد نحو ثلاثة أسابيع من الحادث، وبواسطة عائلته التي كسرت الطوق الأمني لتجد الجثة متعفنة!.
– ائتلاف واسع للمعارضة، يجمع فرقاء بالأمس، وأنصار قرنة شهوان وغيرهم، تجمعهم قريطم دارة الرئيس الحريري الذي بات (شهيداً) بشهادة جميع اللبنانيين، حتى الذين كانت معارضة الحريري تزعجهم حد وصفهم له بالأفعى!.
– حشود شعبية تواصل التظاهر مطالبة بانسحاب سوري، محملة مسؤولية الأخطاء التي حدثت للحكومة الحالية، فتكون النتيجة استقالة الحكومة بتأثير شعبي، عبر إعلان رئيسها عمر كرامي الاستقالة في البرلمان في جلسة حضرها الآلاف في خارج قاعة البرلمان انتظاراً لواقع سياسي يغلي.
– أمير قطر يحيي الشعب اللبناني الذي أسقط الحكومة.
– ولي العهد السعودي يبلغ الرئيس السوري بأن أمامه الانسحاب فوراً من لبنان وإلا فإن علاقات الرياض ودمشق ستواجه تصدعاً.
– ضغوط دولية مكثفة على سوريا، لجهة ضرورة انسحابها من لبنان.
– الرئيس السوري بشار الأسد، يعيدنا إلى خطابات الستينيات، فيعلن أمام مجلس الشعب السوري في خطاب استمر ساعة إلا ثلاث دقائق انسحاب القوات السورية للبقاع ثم إلى الحدود السورية- اللبنانية، ويحذر الشعب اللبناني من 17 مايو (أيار) جديد، في إشارة إلى اتفاق أبرمته القوات اللبنانية مع إسرائيل في عام 1983 بعيد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت آنذاك.
– “حزب الله” يؤكد على لسان أمينه العام أنه لن يلقي السلاح أمام ضغوط دولية تحاول نزع سلاحه، ويدعو إلى تنظيم مظاهرات مناقضة لمظاهرات المعارضة اللبنانية لبيان أن تجمعات ساحة النجمة لا تعبر عن لبنان. الشيخ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني الحليف السوري، قال في مؤتمر صحفي عقده في الضاحية الجنوبية لبيروت في ختام اجتماع للأحزاب الموالية لسوريا “شعاراتنا ستكون موحدة والعلم الوحيد الذي سيرتفع هناك هو العلم اللبناني باسم حزب الله وباسم الأحزاب والقوى اللبنانية المجتمعة”.
كل هذا الحراك، بل الغليان، السياسي والشعبي، في لبنان يوحي بمستقبل غير مستقر في المدى المنظور، ولا أدل على ذلك من تأكيد الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، أحد رموز المعارضة اللبنانية، أن الرئيس السوري أسر إلى أحد الساسة اللبنانيين أن سوريا إن انسحبت من لبنان “فستخربها عليكم”!.
إن مظاهر المظاهرات المتناحرة، هي بداية لاستعراضات قوة بين الأطراف اللبنانية، المؤيدة لسوريا والمعارضة لها، ولو توقف الأمر عند استعراض العضلات بالمظاهرات لكان الأمر طبيعياً، لكن استعراض القوة سيتخذ من “الخراب” والسلاح وأزيز الرصاص، شكلاً من أشكال عرض القوى، واستقطاب الانتصارات وحرق المراحل، ما ينذر بمرور لبنان بمرحلة دمار جديدة إذا اشتعلت فلا أحد يدري من ومتى وكيف سيتم إخمادها، وبعد أن تحصد أية كمية من البشر، قبل الحديث عن تهدم الحجر وخراب البيوت.
الذين يراهنون على قدرة اللبنانيين الذين اكتووا بنار الحرب على عدم حرق أصابعهم بالنار مرة أخرى، نسوا أو تناسوا أن اللبنانيين في المرة الأولى كما في المرة الثانية، لم يكونوا يتحركون بدافع ذاتي، بل بتأثير مباشر وغير مباشر من لاعبين أجانب، ولا أدل على ذلك من أن استعراض القوة لجهة قضية واحدة حالياً تقريباً، هي الولاء لسوريا أو البراءة منها.
جميع الحقوق محفوظة 2019