معيار تفوق كل مجتمع يُقاس بمدى المساحة التي تتحرك فيها المرأة، وكلما ضاقت مساحة حركتها تخلف المجتمع وارتدّ إلى الوراء. فالمرأة ليست هامشاً، بل هي العضو الأساسي لأي مجتمع، فهي صنو الرجل وشريكه في مشوار الحياة. والمرأة هي المربية التي رعت البشرية، وفي بعض الأساطير القديمة: كانت المرأة هي القائمة على شؤون البشرية، فتنازلت عن عرشها للرجل. والمرأة ليست ضعيفة، وإنما تضعف لتُشعر الرجل أنه قوي، وهي من خصائص المرأة منذ القدم، أن يذهب الرجل لتأمين القوت، وهي تبقى لإرضاع الطفل وتغذيته وحمايته من الدواب والسباع. مسألة المرأة في العالم العربي، هي الخطاب الأساسي الذي لا يزال مهيمناً في مجمل ما تنتجه المكتبة العربية، في الأدب والقانون، والحريات والفكر. ولا عجب، فالمرأة هي البوابة الرئيسية لدخول أي عصر جديد. والحق يؤخذ بالممارسة والجهد، وليس فقط بالمطالبة، بدليل تجارب الكثير من الدول العربية والغربية الناجحة في إتاحة المجال أمام المرأة لممارسة الإبداع والانخراط في تحريك الواقع. أستشهد بحديث أم الإمارات الشيخة فاطمة بنت مبارك الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة الاتحاد النسائي العام في حوار معها خلال الآونة الأخيرة، رأت فيه أن المرأة مساهمة في مشروعات التنمية وهذا كفيل بتكوين أجيال من الشباب القادر على المشاركة الفاعلة مستنداً إلى العلم والثقافة والروح الوطنية والعمل من أجل تحسين جودة الحياة الأسرية. كما أعجبني في الحوار ربط الشيخة فاطمة للمرأة بالأسرة، ذلك أن البعض يحاول أن يتعامل مع المرأة منفصلة عن قيم الأسرة وتقاليدها، وذلك لغرض منعها من التحرك. بعض المتشددين يتوعدون المرأة المتحركة المشاركة في إدارة الواقع بالعنوسة الأبدية وبعزوف الرجال عنها، وها نحن نشاهد الوزيرات مع أزواجهنّ مطمئنين، ولا معنى لذلك التهديد ولا يمكن أن يفسر إلا باعتباره لعبا على أوتار العواطف، لمنع المرأة من دخولها في الواقع. كما تعتبر في الحوار أن المرأة الإماراتية جزء من خطط التنمية، تقول : ” ومن دواعي سروري أن ابنة الإمارات لم تكن يوماً بمنأى عن خطط التنمية وبرامجها، فقد استطاع الاتحاد منذ انطلاقته وحتى الآن أن ينقل المرأة نقلة حضارية كماً ونوعاً أثارت إعجاب العالم، وهو النجاح الذي يجسد الرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله- الذي أطلق برنامج وخطط التمكين السياسي للمرأة، وفتح الآفاق واسعة أمامها لتتبوأ أعلى المناصب في جميع المجالات ومختلف مواقع اتخاذ القرار”. بمعنى أن المرأة الإماراتية لم تكن مجرد هامش على متن التنمية، وإنما هي الرقم المهم داخل معادلات التنمية. اعتاد البعض أن يتحدث عن المرأة لجهة علاقتها بالتنمية على استحياء، وإذا كنا نسأل عن سبب فشل الكثير من خطط التنمية العربية، فإن السبب الرئيسي استبعاد المرأة من الرؤى التنموية، وذلك بسبب الخوف من الاعتداء على العادات والتقاليد. إن المرأة هي الأم، التي ولدت النبي عليه السلام، وهي الزوجة، وهي البنت، فهي ليست عورةً، إلا لدى أهل الجاهلية الذين كانوا “وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هونٍ أم يدسه في التراب”. إنه وصف القرآن لهيمنة التقاليد على الجاهليين الذين اعتبروا المرأة مجرد مكمن من مكامن الخطيئة، بينما اعتبرها الرسول صلى الله عليه وسلم جزءاً من التركيبة المدنية في خطابه الديني، وفي معاركه، وفي جمعه لهنّ والحديث معهنّ. كانت المرأة بالنسبة للرسول مشاركة في التنمية ومشاركة في تحريك الواقع، وتلك هي قمة التحضر والتمدن، وهذا ما نشاهده في خطط التنمية في الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة 2019