عالم “تويتر” مغر بكل تفاصيله. ميزته في العبارات الصغيرة المختصرة. 140 حرفاً تختصر لك رؤية، أو تسدحك على ظهرك ضاحكاً، أو تغني عقلك حكمةً، أو تجعلك تتلذذ بالنص الشعري الذي تقرؤه. إنه عالم “الكلمات”، إنه مؤتمر بشري كوني منعقد على مدى 24 ساعة. وحين تأتي قضية من القضايا يخصص لها “الهاشتاق” الذي يحوي كل ما يدخل ضمن إطار تلك القضية أو سواها. ومع كثرة “الهاشتاقات” التي تفتح، غير أن أكثرها ثراءً بالنسبة لي ذلك الذي فتح بعنوان:”ملعوب علينا”! #mal3oob3alaina”! والذي كتب فيه 27 ألف تغريدة في 8 ساعات فقط!
تألق السعوديون في رصد الأشياء التي لُعب عليهم فيها من وجهة نظرهم، إن من الإعلام الرسمي، أو المجتمع، أو الخطابات التقليدية، أو الوظيفة والعمل، أو البنوك والشركات. كلٌ يعبّر عن الإحساس الذي يخصّه. السؤال الذي يطرحه هذا الهاشتاق خطير وظريف بمعنى الكلمة، هل نحن بالفعل وقعنا ضحية “لعبة”، بمعنى أننا “ملعوب علينا”؟!
لا شك أن الجد يختلط في كثيرٍ من التغريدات بالهزل، لكنها انعكاس لأحاسيس وتوجهاتٍ مجتمعية لا يمكن أن يغفلها مراقبٌ عادي، فكيف بحصيف!
لكم هذه الأمثلة من تعابير المشاركين حول اللعب الاجتماعي، خذوا نماذج: “السياحة الداخلية- أبو نايف لتسديد الديون حسب الطريقة الإسلامية-لا تأكل السمك وتشرب اللبن-قطارات في السعودية-درجة الحرارة في الرياض ما تتجاوز 49-حماية المستهلك-الجدران لها آذان-حصان القايلة”!
قلتُ: وهذا النقد الجميل من قبل أبناء مجتمع لذواتهم ولأنفسهم ضروري وحيوي، يكفي أن نراجع ما نشأنا عليه، ما الفرق بين أن تؤمن بتحريم أمرٍ مباح، وبين أن تعتقد أن اللبن حين يشرب مع السمك يسبب “البرص”؟! كلها معتقدات خاطئة وبعضها بشع، تشوه الحياة وتضع الإنسان في فخّ لعبٍ كبير، النقد هذا الذي مارسه الشباب في موقع التواصل الاجتماعي:”تويتر” هو ما يساهم في تأسيس ما ينقذ الفرد من أن يكون “ملعوباً عليه”!
إن الشك بالأمور التي نشأ الإنسان عليها يعطيه الشجاعة لنقد-حتى- الأفكار التي حملها في ذهنه من دون تفكيرٍ أو تمحيص، ويكفي “تويتر” جمالاً وبهاءً أنه يجمع المختلفين في كل شيء، ثم يتهادون الأفكار من خلال جملٍ صغيرة مكبسلة، ولعل هذا “الهاشتاق” الذي ربما بدأ بفكرةٍ بسيطة يغير الكثير من المفاهيم حول ما رأى الإنسان صوابه لفترة ثم اكتشف أن تلك القناعة كانت “مضحكة” وأنه لم يكن إلا ضحية لعبٍ من ألاعيب المجتمع وأحابيل الثقافة!
قال أبو عبدالله غفر الله له: حتى لا تكون من “الملعوب عليهم”، فكر في القناعات التي تحملها، ولعمري أن مراجعة التقاليد والعادات جزء من تطوير السلوك والذات، خاصةً أن الكثيرين يقعون ضحية لعبٍ وتدجين حين يخدعهم بعض المتحمسين بأفكاره التي يسبقها عادةً بقوله:”أثبتت الدراسات العلمية”!