حضرت عشاء ضم رجلاً لم يبلغ الستين من عمره قبل أيام. كان ابن هذا الرجل ضمن الحضور، وقد جمعت الاب بالابن ألفة وصداقة كانت ملحظ انتباه الحضور.
ضمن الاحاديث المتجاذبة دعا الابن لابيه بطول العمر، فاشترط الأب ممازحاً، لا أريد اكثر من خمس سنوات!.
تعجب الجميع من هذا الاشتراط، فالقاعدة العامة ان الناس يتمنون الحياة، ولم يعلم أحد على الرجل وضعاً يجعله يتمنى ألا يطول عمره، وبخاصة أن له ابناء وبنات ناجحون في حياتهم، وهو رجل محبوب، ووضعه المعيشي جيد جداً!
قال صاحبنا الذي بقي له اربع سنوات على وصول الستين: لم تعد الحياة مغرية! باتت الأيام متشابهة، والأحداث متماثلة، وكل يوم يشبه اليوم الذي سبقه، وهما غير بعيدين عن اليوم الذي سيليهما!.
انتهى الحوار، وانصرمت الليلة، وبقي أثر الحديث باقياً في ذهني، لماذا نحس بالملل، والرتابة في حياة معظمنا نحن السعوديين؟!.
يبدو لي ان ابرز الاسباب تكمن في ضعف قدرتنا على صناعة الهوايات التي تتناسب مع شخصياتنا. نكاد نكون متطابقي الهوايات، كلنا يلعب البلوت، ومن لا يحسن البلوت، غريب في اوساطنا، وكلنا يتابع كرة القدم، وأخيراً اصبح كلنا يفهم في بورصة الأسهم، ولو اننا لا نعرف من البلوت الا توزيع الورق، ومن الكرة الا «طقها والحقها» ومن الأسهم الا «اشتر اذا نزل السهم، وكثر حكي الناس عنه!».
أين هي الهوايات الخاصة بكل أحد منا؟ تلك التي يجب ان نكتشفها منذ نعومة أظفارنا؟ ويجب ان يعمل الوالدان والمدرسة على اكتشافها وفقاً للميول الشخصية لكل شخص، ذكراً كان أو أنثى.
هذه الهواية التي تجعل الانسان يستمتع بتطوير مهاراته فيها، واستنفاد وقته، ويدفن فيها همومه، ويخرج فيها من وطأة الرتابة والتقليدية.
ثمة جانب آخر، بدا لي مهما جداً، وهو قدرتنا على تعلم الأشياء الجديدة. احساسنا بالكبر والهرم أكبر من الواقع بكثير. ويتسلل إلينا بانتظام شعور غريب بأننا أكبر من ان نتعلم اموراً سهلة يتعلمها غيرنا وهم اكبر منا بعقد او عقدين. خذ مثلاً واحداً وهو التعاطي مع اجهزة الجوال، فكم هم الذين لا يجيدون من التعامل مع الجهاز الا الرد والاتصال، بل ان بعضهم يخلط بين زر انهاء المكالمة والايذان للمتصل بالحديث في البدايات؟!.
كم يستغرق تعلم اساسيات اكثر معرفة من ذلك؟ بضعة دقائق يبذلها المشتري مع صاحب المكان، او مع ابنه الصغير. فقط لو اردنا ذلك!.