(16) فَإِنَّ الجُرْحَ يَنْفِرُ بَعْدَ حِينٍ * إِذَا كَانَ البِنَاءُ عَلَى فَسَادِ
الجُرح: شَقٌ في الجلدِ، وهو قَطْعٌ أو قَشْرٌ لجزء من ظاهر جسمٍ باحتكاك أو نحوه، كالجروح في الجسد.
جَرَحَ أُصْبَعَهُ: إِذَا شَقَّهُ. جرح: جَرَحَهُ جَرْحاً، والاسْمُ: الجُرْحُ، بالضَّمِّ، والجمع: جُرُوحٌ. قال تعالى: ﴿ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾، [المائدة: 45]. الرَّجُلُ جَرِيحٌ، وَالمَرْأَةُ جَرِيحٌ، ورِجَالٌ وَنِسْوَةٌ جَرْحَى. وجَرَحَ، أي: كَسَبَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾. والجَوَارِحُ مِنَ السِّبَاعِ والطَّيْرِ: ذَوَاتُ الصَّيْدِ، وقِيلَ: مَعْنَاهَا الكَوَاسِبُ. وجَوَارِحُ الإِنسانِ: أَعْضَاؤُهُ التِي يَكْتَسِبُ بها. وَجَرَحَهُ بِلِسَانِهِ: إِذا شَتَمَهُ.
قَالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
وذلِكَ مِنْ خَبَرٍ جَاءَنِي * وأُنْبِئُهُ عن أَبِي الأَسْوَدِ
ولَو عَنْ نَثَا غَيْرِهِ جَاءَنِي * وجُرْحُ اللِّسَانِ كَجُرْحِ اليَدِ
ومن علوم الحديث النبوي، علم (الجرح والتعديل)، وهو علم يختص بتوثيق وتضعيف رواة الحديث. والجَرْحُ خِلَافُ التَّعْدِيلِ، يُقال: جَرَحَ الحَاكِمُ الشَّاهِدَ، إِذا عَثَرَ مِنه على مَا تَسْقُطُ مَعَهُ عَدَالَتُهُ، مِن كَذِبٍ وَغَيْرِهِ.
والجُرحُ بعد أن يحدث في البدن، يتطلع المرء إلى أن يندمل، ويلتئم، ويلتحم، ويضمد الجرح، وذلك بأن يبني الجلد من جديد على فتحة الجرح ما يغلقه به. (نفر الجرح): نفر الجرح نفوراً: إذا ورم. ونفرت العين وغيرها من الأعضاء تنفر نفوراً: هاجت وورمت. ونفر جلده: أي ورم. قال أبو عبيد: وأراه مأخوذاً من نفار الشيء من الشيء إنما هو تجافيه عنه وتباعده منه، فكأن اللحم لما أنكر الداء الحادث بينهما نفر منه فظهر، فذلك نفاره. (لسان العرب)، مادة: (ن ف ر). وقد ينفر الجرح، بتهيجه، وتضخمه، وتورمه، وهذا ما قصده المتنبي، بقوله: فَإِنَّ الجُرْحَ يَنْفِرُ بَعْدَ حِينٍ
أي أنه بدلاً من أن يندمل، يحدث له العكس، فيسوء حاله إذا هاج ونفر. وبيَّن المتنبي، سبب نفور الجرح، بقوله: (إذا كان البِناءُ على فسادٍ): أي إذا كان محاولة علاج الجرح وبرؤه مَبْنياً على فسادٍ في أصل الجرح. فإذا حاول الجرح أن يلتئم، وبدأ اللحم ينبت، لكن عمق الجرح لم يكن نظيفاً طاهراً، فهذا هو الفساد، ومحاولة الجرح البناء على غير طهارة، هي البناء على فساد، ومصير الجرح بها أن ينفر بدلاً من أن يلتئم.
وبيت القصيد للمتنبي، يشبه بيتَ البحتري، القائل: إذا ما الجرحُ رُمَّ على فسادٍ * تَبَيَّنَ فيه تفريطُ الطبيبِ قال ابن جني، عن البيتين:
«وبيتُ المتنبي، أَظْهَرُ مَعْنَىً، وَأَكْثَرُ شِعْرِيَّةً».
والمعنى العام لبيت القصيد:
أن كل بناء لا يكون أساسه سليماً، فهو بناءٌ على فساد، وهو كالجرح الذي سينفر بعد حينٍ، وسيكون ألمه إذا نفر أضعاف ألم الجرح قبل أن ينفر.
وسيكون علاجه أصعب بمراحل من علاج الجرح المجرد. وهكذا كل بناء لا يكون أساسه صحيحاً، وأصله سليماً، هو بناء على فساد، سيكون آيلاً للسقوط. ومما قيل في الموضوع، بيت الشاعر العباسي، صالح بن عبدالقدوس (ت 167 هـ): مَتَى يَبْلُغُ الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ * إِذَا كُنْتَ تَبْنِيهِ وَغَيْرُكَ يَهْدِمُ
فإذا لم يتفق أهل المكان الواحد على البناء، سيبني أحدهم ويهدم الثاني، ولن يتم لهم بناء على ذلك.
وفي الباب، يقول الحكيم، أرسطو:
إذا كان البناء على غير قواعد، كان الفساد أقربَ إليه من الصلاح.