رائعة جديدة من روائع أبي الطيب المتنبي، يعتذر فيها إلى صديقه سيف الدولة الحمداني، وكان أبو الطيب قد دخل على سيف الدولة بعد تسع عشرة ليلة. فأدخله إلى خزانة الكسوة فخلع عليه وطيبه، ثم دخل إلى سيف الدولة فسأله عن حاله وهو مستح. فقال له أبو الطيب: رأيت الموت عندك أحب إليّ من الحياة بعدك. فقال له: بل يطيل الله بقاءك. ودعا له. ثم ركب أبو الطيب وسار معه خلق كثير إلى منزله، وأتبعه سيف الدولة طيباً كثيراً وهدية، فقال أبو الطيب يمدحه بهذه القصيدة ويعتذر إليه فيها، ويستهلها بقوله: استدعي الطلل دمعي بدثوره فأجابه الدمع، وكنت أول من أجاب ببكائه قبل أصحابي وقبل الإبل، و ظللت أكف دمعي خوفاً من عذل الركب، فظل الدمع يسيل وأصحابي من بين عاذر لي وعاذل، والدمع يسيل بين العذر والعذل.
يقول فيها:
أجابَ دَمعي وما الدّاعي سوَى طَلَلِ دَعَا فَلَبّاهُ قَبلَ الرَّكبِ وَالإبِلِ
ظَلِلْتُ بَينَ أُصَيْحابي أُكَفْكِفُهُ وَظَلّ يَسفَحُ بَينَ العُذْرِ وَالعَذَلِ
وَمَا صَبابَةُ مُشْتاقٍ على أمَلٍ مِنَ اللّقَاءِ كمُشْتَاقٍ بلا أمَلِ
وَالهَجْرُ أقْتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ أنَا الغَريقُ فَما خَوْفي منَ البَلَلِ
مَا بالُ كُلّ فُؤادٍ في عَشيرَتِهَا بهِ الذي بي وَما بي غَيرُ مُنتَقِلِ
تَشَبَّهُ الخَفِراتُ الآنِسَاتُ بهَا في مَشيِهَا فيَنَلنَ الحُسنَ بالحِيَلِ
قَدْ ذُقْتُ شِدّةَ أيّامي وَلَذّتَهَا فَمَا حَصَلتُ على صابٍ وَلا عَسَلِ
وَقَد أراني الشبابُ الرّوحَ في بَدَني وَقد أراني المَشيبُ الرّوحَ في بَدَلي
بصوت: د.علي بن تميم
مونتاج: نجيب زيتوني