بالطبع أعني بـ”الفضيحة” ذلك المفهوم الشائع شعبياً، والذي لا يمتّ بصلةٍ إلى معنى الفضيحة فعلياً!
أحد المقاطع على “يوتيوب”، كتب عليه: “فضيحة مذيعة”! وحين تدخله تجد أوراق المذيعة سقطت منها على الأرض.. أهذه هي الفضيحة؟!
هذا الحس الفضائحي الذي بدأ يتغلغل على لا شيء، ليعبر عن خلل في منظومتنا الأخلاقية. والمشكلة أن بعضهم ينتمي إلى مجتمعنا الذي يمسي ويصبح على الأذكار والأوراد وكل وسائل الاستغفار، لكن يبدو أننا كثيرا ما نعيش تناقضاً كبيراً بين أقوالنا في المسجد وخارجه!
من أسس الأخلاق أن يعتني الإنسان بنفسه، وألا يراقب الآخرين، لأن لكلٍ فردانيته، ومن يخطئ، فالمسؤول عن ردعه القانون والنظام، لا داعي لأساليب التفاضح القديم. حتى في الحديث الشريف أن النبي عليه السلام قال: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”! خلال الأيام الماضية استمعنا إلى أساليب “فضح” و”كشف” و “تعرية” بينما لا طائل من وراء تلك المضامين، فالحياة كبيرة وأوسع منا. ثم إن ما نراه خطأ قد يراه غيرنا صواباً، بل قد نراه بأنفسنا بعد سنوات قليلة صواباً!
من المصائب أن البعض يبرر وقاحته وقلة أدبه بالاستشهاد ببعض الآثار، ويتغافلون عن مئات النصوص التي جاءت بالأدب، وعن سيرة النبي الكريم الذي كان قمة في التأدب والخلق والدماثة، والبعد عن الفضائحية، وتغليب الرغبة في الستر، حتى تأتيه الزانية تطلب التطهير بالرجم، فيبحث لها عن أعذار، ويأمرها أن تذهب لتعود بعد فترة طويلة، علها تراجع نفسها، وتكتفي بتوبتها. عليه الصلاة والسلام.
لنكن رسل خير وإنجاز وإبداع، لا رسل فضح وكشف وتعرية!
هذه الأساليب أقل ما يقال عنها إنها غير أخلاقية، مع أن جلّ ما يسمى بالفضائح لا يختلف عن مقطع المذيعة التي سقطت أوراقها، حيث وضع المقطع فقط من أجل التشفي وادعاء الوقوع على فضيحةٍ. ولا تكاد تجد من بين تلك المقاطع مثلاً ما يعبر عن إيجابيةٍ يمكنها أن تعكس الروح الخلاقة لدى الإنسان، بل يسيرون وراء تصرفاتٍ وأخطاء بسيطة ثم يصنعون منها روايات وأساطير فضائحية.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لماذا لا نكون عوناً لبعضنا على ذكر المزايا؟ هل نحن بهذا المستوى من التحاسد والتنافي؟ مشكلة أن تنقلب الآية، وأن نكون متحاسدين متلاحقين كالأعداء، هذا يفضح وهذا يكشف، وحين تبحث عن مضمون فضائحي لا تجد، كله كلام في الهواء مرسل، وكان الله في عون وطننا وأعانه علينا وأعاننا على بعضنا.