التقنيات الحديثة قلصت المسافة بين النخبة والجمهور. صار الجمهور هو الآخر لديه آراؤه وأفكاره. والنخب كذلك نزلت من البرج العاجي، في مواقع التواصل.. تعبر سواء كنت من النخبة أم من الجمهور بنفس الصلاحيات التقنية التي يعطيك إياها الموقع، لا أحد أفضل من أحد. كما أن النخب بدأت تستمع إلى الأصوات المختلفة. أحياناً حين يحصر النخبوي نفسه ضمن مداحيه وحوارييه وأنصاره فإنه لن يستمع إلا إلى قصائد المديح والمعلقات التي تمتدحه وبأن له “القدح المعلّى” في كل أمرٍ، عرفت النخبة أن في بعض كلام الأعداء صوابا، وأن في مدح الأحباب خطأ، فتصدعت الحواجز.
وإذا كان هذا يصح على الثقافة أو الأدب فإنه أيضاً يصح على المجال الرياضي. ومثله ما حدث أمام نادي النصر من احتشادٍ جماهيري لطلب مقابلة رئيس النادي، مع التجاوزات التي حدثت، والعبارات المسيئة التي صدرت، غير أن رفض أي شكلٍ من أشكال التعاطي مع الجماهير يعبر عن سكونٍ نخبوي إداري في برج عاجيّ، بمعنى أن الأمراض التي تعافت منها النخب الثقافية أو تكاد لا تزال تعاني منها الإدارات الرياضية أو بعضها.
رئيس النادي هو في آخر الأمر واحد من جماهير النادي. وهو منهم وفيهم، هذا الذي يجب على الرئيس أن يكون عليه، ولم يكن رئيس النصر الأسبق الراحل عبد الرحمن بن سعود إلا رجلاً جماهيرياً محبوباً، لم يعرف المنصات الفخمة، كان بجاكيته الأصفر رجله على الرجل الأخرى يتابع مباريات النصر مثل أي شخص من الجمهور.
إن احتشاد جماهير النصر ومن ثم رفض السماع منهم، أو من أحدهم، أو إبرام موعدٍ لهم مع الرئيس أو الإدارة خطأ جسيم، فالجماهير تطالب الرئيس بإنجازاتٍ إدارية. المباراة الأخيرة بين النصر والهلال أوضحت كم أن الجماهير النصراوية وفيةً لناديها، فهي تشجعه رغم كل العثرات التي مرت به خلال السنوات العشر الماضية. وعلى الإدارة أن تقدر هذه الجماهيرية من جيلٍ معظمه لم يشهد بطولات النصر الفعلية بعد وأخصّ منهم الذين يبحرون في العقد الثاني من أعمارهم.
قال أبو عبدالله غفر الله له: أتمنى أن تنتهي قصة النخبة والجمهور، وأن يستمع رؤساء الأندية إلى النقد، لأن الإنسان الذي يرى في إدارته الكمال المطلق قد حكم على نفسه بالانتهاء والتلاشي والأفول. وهذا ما لا أتمناه لمستقبل الرياضة في بلادي.