تمر المجتمعات بأخطارٍ مشتركة. بعضها يشكل خطراً قوياً وقاسياً مثل الحروب والأزمات والكوارث، وبعضها الآخر يكون أقل خطراً لكنه يتطلب الالتئام والبحث عن الأشياء المشتركة. وحدة المجتمع لا تعني وحدة أفكار الكل، بل تعني أن كل إنسانٍ لديه القدرة على التميز، وهذا جزء من التنوع في إطار الوحدة الشاملة. أن نختلف لكن لا نتنافى. أن تكون هناك تيارات وانتماءات هذا أمر طبيعي ومحمود، لكن يجب أن لا تكون تلك الاختلافات والتمايزات سبباً في الفرقة والتشتت أو الإلغاء والتخوين. هناك حوارات كثيرة يجب أن تحدث وتستمر بين المفكر الإسلامي والمفكر الليبرالي، لكن بشرط أن لا يلغي أحدهما الآخر، بحيث لا يتهم الليبرالي الإسلامي بالإرهاب، ولا يتهم الإسلامي الليبرالي بالخيانة، أو بـ”زيارة السفارات”!
وحدة أي مجتمع تبدأ من خلال التنوع الصحي، لا الحرب المرَضية. الرأي لا يفسد للود قضية، لكنه يشعل النقاش ويثري المعرفة، ويغرس أكثر من قيمة بين الناس. والمحاور دائماً يبحث عن الحقيقة من خلال الآخر، كما يبحث عنها من خلال الذات. ومن إيجابية الحوار أن يكون سياقه النفسي على مستوى من السلامة، صحيح أن حظوظ النفس لا تلغى فهي جزء من التكوين البشري، لكن أن لا يصل الحوار إلى الإلغاء أو الحقد على الآخر، أو محاولة تسجيل نقطة على حساب الآخر، بل أن يكون الحوار أشبه بالمساجلة الرائعة والحية بين الإنسان وأخيه. فالإنسان يجرب أخطاءه من خلال قناعاته، والذي يظن أنه امتلك الحق في كل شيء وفي كل أفكاره فقد أخطأ الطريق، لأن الحياة رحلة للمعرفة والاستزادة من كل ما يشاهده الإنسان في الحياة. والسعيد من أدرك إيجابيات غيره والقنوط من أدرك سلبيات محاوريه ونسي كيف يتعلم مما لديهم.
الحوار أيها السادة لم نبدأه إلى الآن، لأن الحوار أعم من السجال، أو الحدة بين اثنين، بل الحوار قيمة وسلوك وأخلاق. وإذا أردنا أن نتحاور فلنخفف من التعصب القوي الذي يعمي ويصم.
قال أبو عبدالله غفر الله له: قل لي كيف تحاور أقل لك كيف تتعلم! الذي يحاور على أساس أنه الأعلم بكل شيء رجل لم تصقله المعرفة، لأن العارف كلما غرف من العلوم كلما وجد أنه يجهل الكثير.. فمتى نتحاور، ونختلف ونتناقش لكن في إطار الوحدة التي تحمي التنوع؟!