ثارت خلال الأيام القليلة الماضية ضجة عالية تتناول التصريحات التي أدلى بها الدكتور يوسف القرضاوي لصحيفة مصرية يتحدث فيها بلغة ناقدة لسلوك شيعي يهدف إلى نشر مذهبهم في أوساط سُنية، مستشهداً بدول إسلامية كانت سُنية عن بكرة أبيها، دون أن يكون فيها شيعي واحد، وأصبح التشيع فيها ملحوظاً في السنوات الأخيرة تحت تأثير مد شيعي (جعفري إثنى عشري). تصريحات القرضاوي الحادة التي صدرت منه في لقاء صحفي في التاسع من سبتمبر المنصرم، وُوجهت شيعياً بردود عنيفة، ما استدعى النصرة السُنية للقرضاوي، فتبادل مشايخ دين، ومثقفون، من الطرفين، التلاسن الذي وصل في بعض مراحله حد التلاعن، وكأننا في حاجة إلى مزيد شقاق في شهر معظم، هو شهر رمضان، أحد أهداف تشريعه أن يتحد المسلمون، ويتفقوا، في ممارسة شعائرهم، ونقاء قلوبهم، وصفاء نفوسهم، وهم يتوجهون إلى الله بالصوم والعبادة. المفارقة التي يمكن لحظها أن بداية الردود الشيعية على القرضاوي، شملت ردين أحدهما ردّ على الدكتور القرضاوي جملة من علماء الشيعة، وجاء الرد من الشقين، الشيعي ـ العربي، ممثلاً في رد المرجع الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله، والشق الشيعي ـ الإيراني، ممثلاً في الشيخ محمد علي تسخيري، والاثنين يحملان لقب (آية الله)، وهو لقب علمي متقدم عند الشيعة. غير أن الرد الشيعي (الإيراني ـ اللبناني) لم يكن نهاية المعركة المحتدمة، ربما اقتداءً بالتاريخ الإسلامي، الذي اشتهر شهر رمضان فيه بأنه شهرُ المعارك بداية من معركة بدر الكبرى، فأصدر الدكتور القرضاوي بياناً شديد اللهجة من مكتبه في قطر رد فيه على فضل الله وتسخيري ووكالة مهران الإيرانية التي دانت تصريحات حتى اعتبرها القرضاوي “شنت هجوماً عنيفاً على شخصي يتجاوز كل حد، والإسفاف اسفافاً بالغا لا يليق بها”. فضل الله بنى انتقاده على القول بأنه “لم أسمع عن الشيخ القرضاوي أي موقف ضد التبشير (المسيحي) الذي يريد إخراج المسلمين عن دينهم، أو أي حديث عن اختراق العلمانيين او الملحدين للواقع الاسلامي”. وجاء الرد من القرضاوي أن تصريحات فضل الله “عجيبة حقاً”، مؤكداً أن موقفه “ضد التنصير و التبشير واضح للخاص والعام في كتبي وخطبي ومحاضراتي”. أما تسخيري الذي يشغل منصب الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب في إيران، فاعتبر تصريحات القرضاوي “مثيرة للفتنة وناجمة عن ضغوط الجماعات التكفيرية والمتطرفة التي تقدم معلومات مفتراة”، فرد عليه الشيخ السُني معتبراً تسخيري “نسي أني لم أكن في يوم ما مثيراً للفتنة، بل داعياً إلى الوحدة والألفة، ووقفت ضد هذه الجماعات المتطرفة وحذرت من خطرها”. وعندما انتقد علماء الشيعة مقولة القرضاوي بأنهم “مبتدعة”، رد عليهم معتبراً مقولته هذه تأتي “في مواجهة من يقول إنهم كفار”، وكأنه يقول احمدوا ربكم فقد خففت عنكم الكفر إلى البدعة. الحقيقة التي لا مناص منها أن هذه الردود المشتعلة بما فيها بيانات متبادلة وقع عليها رجال دين ومثقفون شيعة من جهة وسُنة من جهة أخرى بعضها يؤيد القرضاوي في “خطورة الاختراق الشيعي للسُنة”، والآخر يدين تفريق الأمة وشرذمتها وإيقاظ الفتنة النائمة، هي تكريس لصراع قديم وحقيقي، وكل حديث عن أنه ليس واقعيا، هي محاولة من محاولات التجميل والترقيع، والاستعاضة عن بشاعة التاريخ بمساحيق تجميلية لا تسمن ولا تغني من سوء ولا من جوع بطبيعة الحال. وحالة التداعي إلى نصرة كل مذهب وتيار هي امتداد لحالة التشرذم واستغلال كل فرصة في سبيل نهب الخصم وسلب العدو، ولو كان جارك الذي لا يبعد عنك سوى بضعة أمتار. وما أحلى حديث الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين” عن نفاق المتدينين عندما قال: ” ترى الواحد منهم يتعصب لأبي بكر، وهو آكل الحرام، مطلق اللسان بالفضول والكذب، ومتعاطٍ لأنواع الفساد. ولو رآه أبو بكر لكان أول عدو له… وترى فضولياً آخر يتعصب لعلي، وكان من زهد علي وسيرته أنه لبس في خلافته ثوباً اشتراه بثلاثة دراهم وقطع رأس الكمين إلى الرسغ، وترى الفاسق لابساً ثياب الحرير ومتجملاً بأموال اكتسبها من حرام وهو يتعاطى حب علي ويدعيه”.
جميع الحقوق محفوظة 2019