على إثر الانحسار الكبير الذي سببه سقوط النظم الإخوانية المجاورة، انسحب البعض من تلك التيارات علناً، عله يبقى على الانتماء إليها سراً، أو بينه وبين نفسه. وفي ظهورٍ أخير للصديق الدكتور زياد الدريس على برنامجٍ تلفزيوني تحدّث عن أن الانتماء إلى التيارات سواء إخوانية أو غيرها يجب ألا يكون علنياً بل يمكن أن يكون الانتماء خاصاً بالإنسان، وذلك في معرض تعليقه على الأمر الملكي السعودي بخصوص الانتماء للتيارات والأحزاب المحظورة، وتأييدها بالكتابة أو بأي شكلٍ من الأشكال. وهنا أختلف مع الدكتور زياد، ذلك أن الانتماء لا يُستحى منه في حال لم يكن ضاراً، ولا يستحي من انتمائه إلا من يرى فيه غبشاً أو غموضاً أو مشروعاً سرياً أو علنياً… مثلا كل السعوديين ينتمون إلى التيار المدني التنموي العام، وهو ما يعني أن هناك فرقاً بين الانتماء المؤدلج الحزبي، وبين الانضواء تحت المشروع الوطني. ليست هناك مشكلة في أن يعبّر الإنسان عن انتمائه لبرنامج عملي تنموي، المشكلة ليست في البرامج، بل في الأحزاب. الآن يدور الجدل حول مصير الإسلام السياسي في العالم العربي، بعد ثلاث سنوات من الهيمنة والاستبداد بالرأي في وسائل الإعلام وفي الصحف وفي منابر التعبير، حيث جُرّ عادل إمام إلى المحاكم وفتحت محاكم التفتيش ضد المفكرين والفنانين والأدباء، وأصبح محمد مرسي الحاكم بأمر الله في المنطقة، وما أن هبّ المجتمع المصري ضد نظام الإقصاء، إلا وسقطت سطوتهم في مصر أولا ومن ثم في الخليج وغيره. وكنت ذكرت حول مقاومة الشعب المصري للتيار المتطرف أن من مميزات الشعب المصري أنه يحب الفرح والمدنية، وأنه قريب من الحياة الطبيعية. المشكلة أن النظام الإخواني هدد المصريين بالدماء والأشلاء. وهذا ليس سراً فكل المصريين من العلماء والفقهاء، فضلا عن الأدباء لا يستوعبون أصلا أن يحكمهم متطرف مستبد، يمنع كل وسائل الفرح والبهجة. لهذا كان انحسار الإسلام السياسي ضمن فعلٍ اجتماعي وليس بتدخل خارجي كما يتوهم عشاق الفكر المؤامراتي الضيق والفقير. المفكر المصري نصر أبو زيد كان عدواً للإسلام السياسي بمصر لهذا حاكوا ضده الأحابيل، حينها رأى في حوار معه أن: «أهم التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا العربية فيما يتعلق بالإسلام ذلك الاستخدام الأيديولوجي النفعي للإسلام لتحقيق مصالح وغايات ذات طبيعة فئوية محلية عاجلة. وسواء تم هذا الاستخدام من جانب جماعات سياسية بعينها، أو من جانب أنظمة وسلطات سياسية فاقدة للمشروعية الاجتماعية والسياسية والقانونية، فالنتيجة واحدة هي تحويل الإسلام إلى أداة من الأدوات واختزاله في وظائف وغايات ذات طبيعة دنيوية متدنية». الإسلام السياسي في انحسار على مستوى المنابر، لكن علينا أن نواجهه على الأرض وفي الزواريب والخنادق والأزقة، لأن هذا الفكر يجب أن توجه ضده ضربات قوية لئلا ينخر في جسد الخليج وقد نجى من مكائده خلال السنوات الماضية، إذ ضربته الإمارات والسعودية، فلا تطمئنوا إلى سكونهم، فلربما كان صمتهم يعني بناء تنظيم تحت الأرض.
جميع الحقوق محفوظة 2019