لا ندري لماذا يتهم من ينتمي إلى مدينته باعتبارها جزءاً من وطنه بأنه إقليمي؟!
زميلي الدكتور علي الموسى حينما استضفته في “إضاءات” قال لي “إن من يطالب بحقوق تحتاجها مدينته أو يتحدث عن مدينته بحب ليس إقليمياً، أنا كاتب أكتب انطباعاتي أكتب مشاهدتي من المكان الذي أعيش فيه، فلا يمكن اتهامي بالمناطقية لهذا السبب”، وأتفق معه، ذلك أن مدننا ليست خارج وطننا، بل هي في صميمه وجزء منه، في قصائد الشعر الشعبي والعربي الفصيح من يتغنون بمدنهم وقراهم بل وهجرهم وهذا من حقهم، لأن الديار التي نسكنها تكون وشماً على جباهنا وعلى نفوسنا، والكاتب غالباً يكون مستوعباً ما يجري في المكان الذي ترعرع فيه لأن المدينة حينها تكون هي البيت الكبير الذي سكنه الإنسان.
المواقف الوطنية لا يمكن أن تحتكر من قبل طرف أو مدينة، كل مدينة أو قرية أو هجرة لديها مواقف وطنية باسلة، والمعارك التي خاضها الملك عبدالعزيز رحمه الله لتوحيد البلاد شاركت فيها مختلف الهجر والقرى والمدن لهذا هي جزء من تاريخ الوطن وإرثه. نقرأ مؤخراً أن الملك عبدالله وجه خطاب شكر لمديرة متوسطة وثانوية “سبت تنومة” شريفة سعد فرحان الشهري، ليعلم الناس أن الشكر ليس حكراً على ثانويات ومدارس مدن كبرى بل حتى القرى والهجر شريكة في المواقف الإنسانية والوطنية.
لكن لماذا شكر الملك هذه المدرسة في ذلك المكان؟!
شكرها لأن متوسطة وثانوية سبت تنومة أقامت احتفالاً كبيراً بمناسبة سلامة الملك من وعكته الصحية أتم الله صحته.
إن الانتماء إلى المدن ليس تهمة، إلا حينما يشعر الإنسان أن المنتمين إلى مدينته وحدهم الذين يمتلكون خصائص الإبداع والتفوق، ولا أظنّ أن أحداً يمكنه أن يقول بهذا الرأي حينها تكون التهمة أشد بل تدخل في حالة عنصرية مقيتة، لكن انتماء الناس إلى مدنهم لم يمنعهم من أن يتزوجوا من مدنٍ أخرى. المناطقية أو الإقليمية أقل وضوحاً وانتشاراً من القبائلية، أو عنصرية الدم التي راجت بعد انتشار الكثير من قنوات بعث القبائل ومحاولة تمييز قبيلةٍ على أخرى، وفخذٍ على آخر.
في الشعر والأدب والتاريخ نرى أن الانتماء إلى المدينة صغرت أو كبرت كان أمراً عادياً، والنبي عليه السلام حينما هاجر إلى “يثرب” التفت إلى مكة وقال إنها أحب البقاع إليه لولا أن أهله أخرجوه، فلا داعي للمبالغة في اتهام الآخرين المنتمين إلى مدنهم بالمناطقية أو الإقليمية… فلنحارب التعصب القبلي أولاً!