قبل أيام وتحديداً يوم الجمعة الماضي 31/3/2006 شرفني الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بحضور توقيع الطبعة الثانية من كتابي “ذكريات سمين سابق”، خلال جولته في معرض الكتاب الدولي في أبوظبي، وقد أضفى تشريف الشيخ محمد بن زايد هالة إعلامية على التوقيع، فجاءني زملاء صحافيون وإعلاميون طالبين حديثي عن الكتاب وشؤون أخرى!
قلت للشيخ الودود: إن تشريفه حفل توقيع الكتاب يجعلني الليلة عريساً. فواصل ملاطفته التي تنساب منه دون تكلف ممازحاً بقوله: العريس يكرم ضيوفه عندنا في الإمارات بعشاء، فأين العشاء؟!
قلت له: يا سمو الشيخ، هذه عادة لكل العرسان في كل بقاع الأرض وليس في الإمارات وحدها، لكني سأمتنع عن تنفيذ هذه العادة، ليس بخلاً بل موضوعية. ورأيت الشيخ الفارس قد ابتسم مستغرباً، فأكملت حديثي محاولاً الشرح كي لا أواجه تكريمه لي بالحضور بممارسة للبخل، وبخاصة والعرب تتصالح مع كل العيوب إلا البخل، وتقول إن الكرم يغطي كل العيوب والبخل يظهر كل ميزة، وقلت للشيخ محمد: سأمتنع عن تقديم العشاء، لأني أوقع كتاباً موضوعه ولبه ومحتواه يقوم على التنازل عن الشحوم واللحوم. وفكرته الرئيسية مبنية عن التنازل عن العادات في سبيل التنازل عن بعض الكيلوات، أفترض يا سمو الشيخ أن أكون ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، ويدعون الناس إلى التخفف ويزيدونهم بالعشاء، كما أني أعلم أنك لا ترضى لي أن يقول الناس عني إني أقيم الولائم لهم كي يزدادوا سمنة، من أجل أن تتراكم شحومهم، وتتوالى سمنتهم، فيعتقدون بأهمية كتابي، ويقبلون عليه، وتنفد النسخ، وتتوالى الطبعات! معاذ الله أن أتكسب بشحوم غيري!
هل يكفي هذا العذر يا سيدي لأكون عريساً بتتويجكم توقيع كتابي بحضوركم الكريم، دون أن نقيم عشاءً، ليكون عرساً خفيفاً على المعدة خالياً من الكوليسترول.
سكب ولي عهد أبوظبي ضحكته البيضاء وأشاع ابتسامته المريحة، وقال لي: أنت لا تُغلب!
غادر الشيخ محمد بن زايد المعرض تاركاً أثر تصريحه الذي لفت فيه إلى الواقع العربي الثقافي المحرج المتمثل بنسب الترجمة في العالم العربي والتي تحدثت أن أسبانيا تترجم كل عام ما يزيد على ما ترجمه العرب منذ عهد المأمون وحتى الآن، متسائلاً هل يقنع هذا الواقع المؤلم العرب؟!
بعد ذلك جاءني بعض الزملاء الصحافيين طالبين الحديث عن الكتاب بما فتح الله عليَّ، وبعد فترة من الحديث، وجه إليَّ أحدهم سؤالاً عظيماً جاء فيه: ونحن نرى الأزمة الفكرية التي يرزح تحتها عالمنا العربي والتهافت الذي تعيشه العقلية العربية، كيف يمكن لمعارض الكتاب أن تسهم في ردم الفجوة وسد الهوة والمواءمة والمواكبة بين هذا الانحطاط لدى المواطن العربي وبين الواقع السياسي العربي من ناحية والواقع الاقتصادي من ناحية ذلك وانعكاس ذلك على الرؤى المنبثقة في ظل صراع الحضارات؟!
سكت برهة بعد السؤال، وهز زميلي الصحافي رأسه، فهززت رأسي، ثم قال: أجب! فقلت: على ماذا؟! فرد: على سؤالي. فقلت له: سؤالك عظيم وجوابي، أني لا أدري! فبادرني: لكنك لا تحب لا أدري في برنامجك التلفزيوني! قلت: لكني لا أسأل الناس هناك إلا عما يعرفون، وهذا سؤال عظيم وإن لم أفهمه ولا أعرف إجابته، اسأل الكبار، من مثقفين، وفلاسفة، وصناع رأي. قال: أنت منهم، أنت مثقف. قلت له: أنا تركي الدخيل. وما أعرفه عن تركي الدخيل حتى الآن أنه لا يعرف ولا يريد أن يتحدث فيما لا يحسن. كان السلف يقولون: من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب! ومشكلتنا في العالم العربي أننا نتحدث فيما نعرف وكثيراً ما نهرف بما لا نعرف، فتجد من يتحدث في أمور من الحديث عن الهجرة غير الشرعية من المكسيك إلى أميركا شمالاً، إلى رأب الصدع بين ثوار “التاميل”ومنكوبي دارفور شرقاً!
جميع الحقوق محفوظة 2019