وثائق “ويكيليكس” جننت العالم. الكثير من الحكومات تخاف مما تخبئه هذه الوثائق. لا أدري شخصياً عن مصداقيتها، ولا عن المنظومة الدولية التي تحركها، ولا عن الهدف الخفيّ منها، ما أعرفه أن العالم يودّع زمن السرية، وأن زمن الصناديق المغلقة يكاد أن يذهب لنصل إلى اتجاهٍ تنعدم فيه الخصوصيات الدولية. النائب اللبناني وليد جنبلاط وصف انتشار الوثائق المخيف بأنه يؤذن بـ”نهاية زمن الدبلوماسية”!
الصرعة التي تحدثها تسريبات الوثائق تبين للعالم أن التقنية تتجدد حيلُها، وأن الإنسان حينما ابتكر التقنية صار أسيراً لها، لا يستطيع أن يتحكم بمسيرة أعماله إلا من خلالها، كما أنها تبتكر حيلها وثقوبها وثغراتها. من السهل أن تجيد العمل على التقنية، لكن من الصعب أن تنجو من أحابيلها. الرسائل شديدة الخصوصية التي كانت بين المسؤولين صارت في الإنترنت متوافرة بكل لغات العالم. بل إن أنصار جوليان أسانج صاحب موقع ويكيليكس شنوا حرباً شعواء ضارية بمجرد القبض على صاحب الموقع في قضايا أخلاقية.
يتساءل الناس عن سبب هذه الحرب المعلوماتية ضد العالم كله والتي يقودها شخص واحد شديد المكر اسمه جوليان أسانج. في حوارٍ معه أجرته قناة عربية قال إن موقع ويكيليكس سيفعل ما عجز عنه “الإعلام السائد” يعني أنه يريد القيام بثورة وحرب وبركان دولي ضد الإعلام القديم وضد السرية الدبلوماسية، يقول: “إن نجاح ويكيليكس يشير إلى فشل أناس آخرين بفعل ما نفعله نحن، هذا يعني أن الإعلام السائد لا يقوم بدوره الفاعل بإخراج المواد التي حجبت بسبب التأثير من السياسيين، ولذلك فإننا نجد هذا الأمر يميز موقعنا، وشعرنا بالتالي أننا بحاجة إلى أن نقوم بتعويض هذا الفشل في الإعلام من خلال إخراج المواد السرية الحساسة التي يحتاجها الناس لكي ينظموا حياتهم ولكي يكون مجتمعهم تسوده المعلومات والمعرفة”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: الوثائق على بدايتها، ولا ندري حقيقةً عن مدى صدقيتها، لكن الذي نعلمه جيداً ورأينا بوادره أن أضراس التقنية بدأت تأكل صناديق السرية، وهذا ما وعد به جوليان أسانج الذي يعتبر حربه هذه ضد السرية من صالح الإنسانية حين يقول: “في الحقيقة أجد هذا العمل مرضياً جداً لي ويشعرني بالقناعة بأن أواجه الحكومات الفاسدة التي تسيء معاملة الناس. واجب علينا أن نخوض غمار هذا العمل وذلك بغية الدفاع عن التاريخ والضحايا الأبرياء”.
إنه الرجل الغامض والمثير للاهتمام والدهشة معاً!