بمجيء ذكرى اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم نتذكر المسافة التي تفصل بين النبي وبين سلوك أتباعه. وحينما نقش الرسام الدنماركي كاريكاتيراته عن النبي لم يكن يرسم صورته الحقيقية بل كان يرسم الصورة التي رسمت في خياله من خلال سلوك بعض أتباعه. وصف القرآن النبي في الآيات: “وإنك لعلى خلقٍ عظيم” وفي آيةٍ أخرى: “لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم” وفي آيةٍ أخرى:”ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك”. تلك الآيات تبين أن الصورة التي رسمها القرآن ليست هي الصورة التي رسمناها نحن بسلوكنا عن نبينا. جاء الرسول إلى الصحراء معه طريقة الخلاص من التيه الذي ضرب أطنابه في تلك البقعة، علّم الناس الخير وحذرهم من الشر.
اليوم أعزّ ما يفتقد هو الصدق، وحسن الخلق، والعمل على الخير، ولين الجانب. لقد شبع العالم من وجود الكائنات “الفظّة” التي ينفض الناس من حولها، وأعلى درجات الفظاظة أن يفجر الإنسان أو يقتل أو يسفك الدماء أو ينشر الكراهية. إن المسافة التي بيننا نحن بسلوكنا وبين سيرة النبي هي التي صنعت الفهم المغلوط والخطير الذي جعل الرسام يتخيل صورة نبي الإسلام منطلقاً من سلوكيات بعض أتباعه وعنادهم للإنسانية والعصر والزمن.
أتفق مع ذلك المفكر في أحد المؤتمرات حين قال: “لو جاء الرسول ملثّماً إلى المتطرفين وراح ينصحهم بالدخول إلى العصر والزمن لعارضوه”. كان الإمام محمد عبده وبعد أن زار الغرب باحثاً ومستكشفاً يقول بعد أن عاد: “وجدتُ إسلاماً بلا مسلمين”، السلوك والأخلاق هي التي يفتقر إليها بعض المسلمين اليوم، أن يكونوا ممتثلين لسلوك النبي الإنساني وليس سلوك الأتباع الأفظاظ الذين يريدون من البشر أن ينفضوا عن الإسلام ويهربوا منه كالملدوغين!
أذكر أنني قرأتُ كتاب: “عبقرية محمد” للعقاد، كان يرسم صورة النبي كما هي بعظمتها وإنسانيتها، لا تلك التي شوهها بعض الأتباع. يصيح الناس من سوء صورة المسلمين في الغرب، وأسألهم دائماً: هل تظنّ أنك حينما ترى شخصاً فجّر القطارات في بريطانيا وإسبانيا متترساً بنصوصٍ من هذه الديانة أو تلك، هل تظنّ أنك ستسامحه؟ وبخاصةً إذا أخذت بالاعتبار أن الناس العاديين لن يذهبوا إلى المكتبات ليقرؤوا ويصححوا الصورة حول الإسلام، بل سيقرؤون الإسلام من خلال جوارح أتباعه، وما أجمل قول أحمد شوقي:
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا
منها وما يتعشق الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائل
يغرى بهن ويولع الكرماء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الأنواء
نستعيد هذا اليوم متذكرين نبي الرحمة لنصحح من إنسانيتنا ومدنيتنا ولنعيد الأخلاق إلى ذواتنا، هذا هو عشمي أن يكون هذا اليوم فرصةً كبرى للنقد والتفكير والتصحيح!