لا شك أن الناس في رمضان يقصدون المساجد أكثر من أي شهر من الشهور، امتثالا لروحانية الشهر، وشوقاً إلى النفحات الربانية في رمضان المبارك، واستشعاراً روحياً لقيمة هذا الشهر المميز، فيأنسون في إتيانهم للمسجد وارتياده بشكل منتظم أكثر من ارتيادهم للمسجد في بقية الشهور، طمعاً في ما عندالله، والله أكرم الأكرمين! لكن كيف يتعامل أئمة المساجد مع هذا الإقبال من الناس؟ للأسف فإن كثيراً من الأئمة، يواجهون إقبال الناس في هذا الشهر الكريم بشيء من التوبيخ للمصلين، حيث يتحدث الأئمة مع المصلين الجدد بعبارات صارمة كتكرارهم لأن \\\”رب شعبان هو رب رمضان\\\”، وقولهم: \\\”أين هذه الصفوف في شهور السنة الأخرى\\\”، وترديدهم لمقولة: \\\”بئس القوم الذين لا يعبدون الله إلا في رمضان\\\”، وحينما ينتهي الشهر بدلا من ترغيب الناس ودعوات الأئمة لهم بأن يرحمهم الله في هذا الشهر الكريم، يستمرّون على طوال شهر شوال بالتقريع، فيواجهون من خفّت همتهم بعد انتهاء شهر رمضان، باستدلالات تضعف همتهم وخاصةً أن الخطباء، وفي أول جمعة من شوال، يستدلون على أن تغيّر شكل حماسهم في شهر شوال، عن رمضان، بمزيد التوبيخ والتقريع، واللوم، بعيداً عن الحث، والتحريض الإيجابي، على استثمار مزيد الفرص، واهتبال بقية العطايا. وكم فرحت وأنا أتابع في الصحف أنباء الملتقى السنوي الخاص باستقبال شهر رمضان، الذي نظمته الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية، لأئمة مساجد الإمارات الشمالية، في جامع الشيخ زايد بعجمان، (الاتحاد 20 أغسطس 2009) لإيماني بأن التشاور حول الاستراتيجية الحكيمة التي يمكن أن يتحلى بها الأئمة وهم يستقبلون وجوهاً جديدة في المسجد، وخاصةً ونحن نقرأ أن الرسول عليه الصلاة والسلام غلّب مبدأ السماحة على التشديد، بل قال كما في صحيح البخاري، في حديث عظيم رائع: \\\”يسروا ولا تعسروا… بشّروا ولا تنفروا\\\”، فهلا تذكّر هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يدافعون عن الدين، هل هم في فئة المبشرين، أم المنفرين، بمنهجهم هذا؟! إن ديناً بدأ بالبشائر والرحمات والتسامح، لهو دين جدير بأن تكون مساجده منابر لبثّ الحب والتسامح والترحيب بكل من جاءه، ومن أقبل عليه، فالمسجد بيت الله، ومن جاء إلى المسجد فإنما جاء إلى بيت الله، وأقبل على رب البيت، وإمام المسجد هو القائم على ضيوف بيت الله، فيا أيها الأئمة أحسنوا ضيافة روّاد بيوت الله، واعلموا أن من أقبل على الله، فهو حقيق بالتقدير والترحيب، وإن تأخر، وإن قضى بعض الركعات، وحتى لو كانت حاله لا تسركم أيها الأئمة، لجهة حلاقة اللحية، أو تدخين سيجارة، أو نحو ذلك، من صغائر، في تصنيفها خطايا خلافات حقيقية! نتمنى -أمنية- أن تكون المساجد كما كانت عليه في عصر النبوة، أماكن للتواصل والتحاب بين الناس، أما خطابات التوبيخ والتقريع فليس مكانها بيت الله، إذ يمكن لمن شاء، أن يقرع من شاء في بيته، لكن في بيت الله الأمر مختلف، فالمصلي قبل كل شيء هو ضيف الله، مقبل على بيت الله، فإما أن تحسنوا ضيافته ووفادته أيها الأئمة الكرام، وإلا فقد أسأتم لرسالتكم، وتخليتم عن أسمى معاني دعوتكم، والله أعلم!
جميع الحقوق محفوظة 2019