التكافل الاجتماعي أشمل من الكلام. إنه مرتبط بالعمل، أن يكون لك يومياً ما يعبر عن تكافلك وانضوائك ضمن المجتمع الذي تعيش فيه. وما أجمل قول النبي عليه الصلاة والسلام حين قال:”ما آمن بي من مات شبعان وجاره طاوياً”، أي جائعاً! فكرة التكافل الاجتماعي أن يضع الإنسان بعض امتيازاته رهن تصرف المجتمع، أو أن يصرف من وقته أو ماله أو مشاعره لذلك الهدف الأسمى. في العالم العربي اليوم ومع الأحداث الجارية، هناك آلاف الأيتام والآلاف يصبحون أيتاماً بشكلٍ يومي، في سوريا وليبيا واليمن وغيرها! ومع أداة القتل المنظمة تضاعف الأيتام، ومن يكفل يتيماً يقوم بعملٍ من أجل الأعمال الإنسانية والاجتماعية بعرف الشرائع والأديان كافة. كفالة اليتيم مَحمدة بشرية لدى كل ذاتٍ آدمية، إنه من الخير المطبق. ومن أقوال النبوة:”أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين”، مشيراً بإصبعيه السبابة والوسطى. كفالة اليتيم سمو إنساني هو غاية في السمو والرفعة. إن الرعاية الأسرية لليتيم أشمل من الرعاية المادية. يمكن للدولة أن ترعى اليتيم مادياً بسهولة. لكن العمل الأهم أن يكون اليتيم جزءاً من الأسرة. أن يحظى بمفهوم “الرعاية الأسرية”، وأن يكون فرداً من الأسرة. وعظمة كافل اليتيم أنه يطمس الفوارق بين اليتيم وأبنائه، فلا يبهتونه بالنظرات المتلصصة والمتجسسة، ولا يحرمونه مما يعطون أولادهم، وكفالة يتيمٍ ناقصة يمكن أن تضاعف معاناته، فإما أن يحظى برعايةٍ أسرية اجتماعية وإلا فإن الكفالة قد تكون عبئاً على اليتيم ونفسيته. الدور الاجتماعية التي تؤوي الأيتام لديها القدرة المادية على كفالة الأيتام خاصةً بالخليج، لكن المهم أن يعترف المجتمع بتلك الدور، وأن تقوم أسرة من الأسر بكفالة اليتيم لا مادياً وإنما اجتماعياً أيضاً. في القرآن قوله تعالى:”أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدعّ اليتيم”، فاليتم مسألة اجتماعية أساسية ضمن أسسنا الإسلامية، والنبي صلى الله عليه وسلم نشأ يتيماً، ولكنه تربى تربيةً عظيمة. يجب أن نعطي الأيتام نماذج لنجاحات كبرى قام بها اليتيم بسبب العصامية التي يتمتع بها. هناك عشرات المبدعين والمبتكرين والعلماء والعباقرة هم من الأيتام، نشأوا في ظلّ وحدةٍ اجتماعية، أو بكفالةٍ مالية، أو معتمدين على رعاية الجدة، أو الجار، أو القريب. هذا مما يعزز معنى التكافل الاجتماعي، أن لا يظنّ اليتيم أنه خارج سياق حركة المجتمع، أو خارج كل أدوات التمكين العملي والإبداع النادر. وهذه مسؤولية الدور الاجتماعية في أنشطتها الحيوية الدائمة، أن تضع ضمن بحوثها هذه القصص التي تعزز من المعنويات. يولد كل منا في أسرةٍ لا يعرف قيمتها لأنه لم يجرب فقدانها، يحاط بالأم والأب، والأخوات والأخوة في جوّ حميمي، لا يعلم أن هناك من يعاني من وحدةٍ مطبقة، حيث فقد أسرته، أو لم يرها، أو من فقد ذويه، أو من دمرت الحروب والحوادث كل ما يملك، حين نعرف نعمة الأسرة ومعاناة اليتيم. والذين لا يستطيعون أن يكفلوا يتيماً على المستوى الاجتماعي، يمكنهم أن يقيموا علاقات صداقة مع تلك الدور الاجتماعية، ويشاركون الأيتام أنشطتهم، لا على سبيل الشفقة، وإنما لهدف التعلم من تجارب الأيتام في الحياة. المجتمع قيمته في تكافله، في وقتٍ فقد البعض القدرة على معرفة اسم جيرانهم. أن يقتطع الإنسان جزءاً من وقته ودخله وأنشطته للتعاون مع بقية المجتمع من أيتامٍ أو ذوي احتياجاتٍ خاصة، لأننا جزء منهم، جزء من مجتمعٍ نشترك فيها سوياً، وما الاهتمام بالأيتام إلا اهتمام بالإنسان، وكلما علت إنسانية الفرد، كلما شعر بمسؤوليته الاجتماعية أكثر، فهل نعي ضرورة هذا العمل البشري العظيم؟! والأهم هل نخصص وقتاً لممارسته؟ يكفي التكافل الاجتماعي أن يخفف من أنانيتنا التي أغرقتنا فيها تصاريف العيش والحياة السريعة! تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019